في العاصمة المؤقتة عدن، تصعد على المسرح فرقة موسيقية مكونة من النساء فقط، وأمام جمهور من مختلف الفئات تعزف الموسيقى بمختلف آلاتها، حدث لم تشهده البلاد من قبل، جاء ذلك بعد أشهر من التدريبات المكثفة لعدد من الفتيات على مختلف الآلات الموسيقية، لتخرج للنور أول فرقة نسائية تعزف على المسرح أمام الجماهير.
تأسست الفرقة الموسيقية تحت مشروع "الفن مهنتي" والذي ترعاه مؤسسة عدن للعلوم والفنون، حيث استهدف المشروع تدريب 14 فتاة على العزف وتعلم الفنون الموسيقية والذي استمر لمدة شهرين متتالين من التدريبات المستمرة، ليتم الإعلان بعد ذلك عن الفرقة في حفل "ليالي عدن" في مطلع العام الماضي.
حظيت الفرقة باهتمام كبير من قبل الجمهور والمختصين، حيث يرون أن تشكيل فرقة موسيقية مكونة من النساء فقط من شأنه أن يعيد لمدينة عدن أمل في إعادة المشهد الثقافي الذي غيبته الحرب بصورة مختلفة هذه المرة، كما أن من شأن ذلك أن يعيد لعدن مكانتها الثقافية وطابعها الفني الذي عرفت بها منذ عقود.
بداية ليست سهلة
لم تكن الأمور سهلة أمام تأسيس فرقة نسائية تصعد على المسرح لعزف الموسيقى، إذا لاقت الفكرة معارضة كبيرة من قبل الجماهير، ناهيك عن العديد من الصعوبات التي رافقت بداية التأسيس وصولًا إلى التدريبات التي تمت في وقت قصير، لكن الفرقة نجحت على الرغم من كل الصعوبات.
تقول "دينا مدني" رئيس الفرقة الموسيقية، أن هناك العديد من الصعوبات التي رافقت تأسيس الفرقة، تمثلت أن وقت المشروع لم يكن كافيًا، وبخاصة أن المتدربات لم يكن عازفات من قبل وأول مرة يبدأن في التدرب على الآلآت الموسيقية، وهذا الأمر شكل تحدي كبير، لأن المرء يحتاج على الأقل إلى ستة أشهر من أجل تعلم السلم الموسيقي والعزف عليه بطريقة سليمة.
تضيف "مدني" في تصريحها لموقع "يمن فريدم" قولها: " هذا خلاف الصعوبات التي واجهناها من المجتمع والذي كان في بداية الأمر معارض للموضوع لأنه يعتبر أمر دخيل لأول مرة، لكن مثل ما كان هناك جمهور معارض كان هناك جمهور".
ويأتي هذا المشروع ضمن المساعي التي يبذلها الاتحاد الأوربي في اليمن من أجل تمكين المرأة اليمنية ودعمها في تعزيز وجودها في مختلف محافظات البلاد وذلك عبر مشاريع عديدة، ومشروع "الفن مهنتي" يأتي كنوع من الاهتمام بالقطاع النسوي بشكل عام.
"لمياء ضرار" المدير التنفيذي لمؤسسة عدن للفنون والعلوم، تقول أن الفرقة الموسيقية تأسست تحت رعاية المؤسسة لأن عملها يكمن في تمكين المرأة في العديد من الجوانب وكذلك الاهتمام بالقضايا التي تمس المرأة.
الفن رسالة سلام
في بلد يعاني العديد من الأزمات المتلاحقة، أبرزها الانهيار الاقتصادي الذي لم يستقر منذ اندلاع الحرب، تأتي هذه الفرقة الموسيقية كما يؤكد القائمين عليها من أجل توصيل رسالة للعالم مفادها أن اليمن رغم كل شيء مازالت تدندن بالحب والسلام.
تقول "لمياء ضرار" بأن تشكيل الفرقة الموسيقية جاء لتحريك المياه الراكدة في مجال الفن الموسيقي، كما أن للفن قدرة كبيرة على إيصال رسالة السلام، وعلى الرغم من أن نشاط الفرقة لم يتعدى المتوسط لكن المشروع مازال مستمر.
تضيف "لمياء" في تصريحها لموقع "يمن فريدم" قولها: "واجهنا العديد من الصعوبات، تمثلت في قلة المدربين وكذلك شحة الإمكانيات، لذلك نتمنى من الجهات المعنية أن تتفاعل مع الفرقة وتوفر لها مناخ أفضل للاستمرارية في إيصال رسالة السلام والحب للعالم".
من جانبها تؤكد "دينا مدني" أن الفرقة تحاول من خلال الفن إيصال رسالة لجميع العالم بأن البلد مازالت ترفرف بالحب وتعزف الحب والسلام والأنغام الموسيقية، وهذا من قديم الزمان، والفرقة جاءت لتعيد هذا المجد، ولكن على أيادي ناعمة وأوتار ناعمة، عند حد قولها.
شغف بالفن
"فرح قائد" شابة دفعها شغفها بالفن للالتحاق بالفرقة الموسيقية النسائية، ترى أن الفن والموسيقي لغة عابرة للحدود، بامكانها توصيل رسالتها إلى جميع أنحاء العالم، لم توقفها الصعوبات التي واجهتها، واختارت آلة العود لتعزف عليه أنغامها.
تقول "فرح قائد" في تصريحها لموقع "يمن فريدم" أن الصعوبات التي واجهتها تمثلت في الخوف من المجتمع الذي لا يحبذ وجود المرأة في أي مجال فني، ناهيك عن الأذى الذي يمكن أن يحدثه التنمر، بالإضافة إلى افتقارها للدعم المادي بسبب الظروف المعيشية الأسرية الحالية.
تضيف "فرح" عن دور المرأة العدنية قولها: " المرأة العدنية كانت رائدة في المجال الثقافي ولايزال لها الأولوية والأسبقية في ذلك، ووجود نساء عازفات يعني أن المراة في عدن مازالت تسعى لتغيير المجتمع نحو الإيجابية".
على الرغم من ظروف الحرب القاسية، والأوضاع المتدنية لكافة المجالات في اليمن، إلا أن تأسيس فرقة موسيقية نسائية من شأنه أن يعيد لليمن مجدها الفني، والفرقة بصيص أمل لتحريك المشهد الثقافي والفني في مدينة عدن بشكل خاص باعتبارها حاضنة للفن والغناء منذ القدم.