تنتشر قوات "الدعم السريع" في نواحي الفاشر وتقطع كل الطرق التي تؤدي إلى مداخل المدينة، بينما الجيش يتحالف مع بعض الحركات المسلحة في دارفور ويضطر إلى القيام بعملية إسقاط جوي لدعم قواته الموجودة في الإقليم.
بدأ هاجس تقسيم السودان يتصاعد من جديد، بل بات أشبه بالواقع، في ظل المحاولات الشرسة التي تقوم بها قوات "الدعم السريع" للسيطرة على مدينة الفاشر حتى تكمل سيطرتها التامة على كامل إقليم دارفور ليكون ورقتها الرابحة في أي عملية تسوية قادمة لإنهاء هذه الحرب التي دخلت عامها الثاني.
وكان حاكم دارفور مني أركو مناوي دق ناقوس الخطر في ضوء التطورات التي يشهدها الإقليم هذه الأيام، إذ حذر من أن تصبح دارفور ورقة المساومة التي يستخدمها قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" في حربه مع الجيش السوداني، فكيف ينظر المراقبون لمجريات هذه الأحداث؟ وهل تكون "دولة دارفور" ورقة مساومة "حميدتي"؟
فكر "داعش"
متخصص الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية الحاج حمد، قال "معلوم أن الفاشر التي يدور فيها القتال بين طرفي النزاع يتقاسم رقعتها الجيش والميليشيات المتحالفة معه من جهة، و(الدعم السريع) من جهة أخرى، لكن في حقيقة الأمر فكرة انفصال دارفور متأصلة عند بعض الحركات المسلحة من بينها حركة (تحرير السودان) بقيادة مني أركو مناوي".
وأكد حمد أن فكرة الانفصال تعمقت خلال فترة النظام السابق عندما أطلق يد المجموعات العربية في دارفور ضد المجموعات غير العربية أو ما يسمى (الزرقة)، مشيراً إلى أن نظام البشير الذي حكم البلاد ثلاثة عقود لم يكن لديه مانع أن تظل حركة عبدالواحد محمد نور مسيطرة على جبل مرة، وأن تسيطر حركة عبدالعزيز الحلو على أجزاء من جنوب كردفان، لافتاً إلى أن نظام البشير "كان مهووساً بالسلطة ويريد أن يحكم رقعة صغيرة في البلاد ولا يهمه تفتيتها وتقسيمها، إذ يعتقد أنها جزء من الخلافة، فهو نفس تفكير تنظيم (داعش) الذي كان أحد أدوات تفكيك نظام الأسد في سوريا".
وأضاف حمد "بصورة عامة نجد أن التناقضات بين الدول الكبرى نفسها لا تسمح لدارفور بالانفصال، بيد أنه نلاحظ من خلال متابعتنا لعديد من مقاطع الفيديو المصورة الانتشار الواسع لقوات (الدعم السريع) في نواحي الفاشر وقطعها كل الطرق التي تؤدي إلى مداخل المدينة، من ثم فاجتياحها الفاشر أو ما تبقى منها مسألة وقت، بخاصة أن الجيش اضطر إلى القيام بإسقاط جوي لدعم قواته الموجودة في هذه المدينة".
ولفت إلى أن سيطرة قوات "الدعم السريع" على الفاشر لن تغنيها بأن تكون قوة نظامية لديها قانون، وأن تستمر في تحالفاتها الإقليمية والدولية ولعب ذات الأدوار السابقة، لكنه يرى أن الوضع معقد جداً، لأن "الدعم السريع" ليس عينها على دارفور فقط كونها تريد انفصاله ليكون دولة قائمة بذاتها، بل تخطط لهزيمة الجيش وحركاته المسلحة بأي طريقة لتحل محل الجيش الأساس أو أن تكون لها اليد العليا داخل الجيش مثلما فعلت الحركة الإسلامية.
ونوه متخصص الاقتصاد السياسي بأن الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه الجيش هو أنه اعتمد على قوات "الدعم السريع" كمشاة، لذلك تجد الجيش يركز على الطيران الحربي بصورة مكثفة للحد من تقدم "الدعم السريع" وتوسعها جغرافياً بخاصة في دارفور، لكن في ما يتعلق بمسألة الجلوس في طاولة المفاوضات لإيقاف هذا القتال، فإن الوصول لتسوية ومساومة يعتمد على ما سيطرح من أجندة ونقاشات.
تشظ وكراهية
في السياق، أوضح الأمين السياسي في حزب "المؤتمر السوداني" شريف محمد عثمان أن "خطر التقسيم أحد المهددات التي تحيط بالسودان وظلت تحذر منه القوى المدنية منذ بداية الحرب والتي حتماً سيقود استمرارها إلى تقسيم البلاد أو تشظيها، فلا يخفى على أحد أن سيناريو التقسيم وإقامة دولتين يتشكل ببطء في مناطق سيطرة (الدعم السريع) من خلال إلغاء مفوضية العون الإنساني وتشكيل آلية جديدة".
وأشار الأمين السياسي في حزب "المؤتمر السوداني" إلى حديث سابق لقائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" قال فيه إنه "في حال شكلت حكومة في مدينة بورتسودان، فإنه سيعلن في المقابل حكومة في مناطق سيطرته، وهناك نماذج في المنطقة لبلدان قسمت إلى نظامين بفرضية الأمر الواقع، لكن عجزت الأطراف المتحاربة في المحافظة على وحدة وسيادة بلدانها".
وتابع عثمان "إقليم دارفور دفع فاتورة الصراع السياسي حول السلطة على مدى أكثر من عقدين من الزمان واستمر الإقليم في دفع هذه الفاتورة خلال الحرب الحالية، إذ شهدت ولاية غرب دارفور في بداية المعارك أبشع أنواع الجرائم والانتهاكات مع استمرار القصف عبر الطيران في عدد من المدن والمناطق التي سيطر عليها (الدعم السريع) منذ أشهر".
وزاد عثمان "نجد أن (الدعم السريع) يسيطر على كل إقليم دارفور ما عدا مدينة الفاشر التي يحاصرها قرابة الشهرين في محاولة للسيطرة عليها، وحدوث مواجهات في هذه المدينة يشكل خطراً كبيراً على ملايين السودانيين الذين يعيشون أو اختاروا الفاشر مكاناً للجوء بعد اندلاع الحرب في الولايات الأخرى".
وأوضح المسؤول الحزبي أن عمليات التعبئة أدت إلى انقسام إثني واجتماعي كبير، إذ اتخذ كل من قائد حركة "تحرير السودان" مني أركو مناوي ورئيس حركة "العدل والمساواة" جبريل إبراهيم خيار الحرب بالوقوف مع الجيش، وهنا تحضر في أذهاننا مرارة حرب دارفور الأهلية 2003 التي جرت الإقليم إلى هاوية من الصراع.
ويرى عثمان الخطاب السياسي المقدم من العسكريين لا يحض على التعايش السلمي وإنما يؤجج فتيل التعبئة والحرب، وكلنا يلاحظ ما تشهده وسائل التواصل الاجتماعي من تحشيد بخطابات الكراهية والتقسيم التي تغذيها أطراف الصراع وأدواتهم الإعلامية غير الرسمية، فكل هذه الجوانب السلبية جعلتنا نبذل جهداً كبيراً لإيقاف هذه الحرب من خلال تكثيف دعواتنا لدول الإقليم والعالم بالمساعدة في ذلك، فضلاً عن مخاطبتنا الجيش و"الدعم السريع" بالعودة إلى منبر التفاوض والابتعاد عن هذه المواجهة التي ستكلف الإقليم والبلاد كثيراً.
وأردف المسؤول الحزبي "في نظري قوات (الدعم السريع) لا تنظر إلى دارفور كورقة مساومة فهي تسيطر على مساحات واسعة من ولايات كردفان والخرطوم والجزيرة، فضلاً عن وجودها في أجزاء من ولايات سنار والنيل الأبيض ونهر النيل، لذلك فإنه في حال استمرار الحرب فلن تكون هناك ولاية خارج نطاق الحرب، وإنما بالتجربة كما حذرت القوى المدنية في أبريل/ نيسان 2023 أن الحرب لن تقف في حدود الخرطوم وإنما ستتمدد إلى ولايات أخرى".
وأكد الأمين السياسي في حزب "المؤتمر السوداني" أن أحد الأخطار الكبرى التي تحيط بهذه الحرب في حال استمرارها هو تشظي الطرفين، إذ إن هناك أطرافاً عديدة انخرطت في القتال ولديها أجندات سياسية مختلفة وهناك عدد من الشواهد تدل على ذلك.
معادلة سياسية
من جانبه، أفاد المتخصص في العلوم السياسية عبده مختار أن "الوضع على الأرض يشير إلى أن (الدعم السريع) لديها ورقة تفاوض قوية جداً متمثلة في سيطرتها على معظم أجزاء دارفور، إضافة إلى مناطق أخرى من بقية البلاد، فمن المتوقع أن تفضي هذه المكاسب إلى مساومة تتمثل في تنازل (الدعم السريع) عن المناطق التي تسيطر عليها خارج دارفور كالجزيرة وجيوب أخرى مقابل تنازل الجيش عن إقليم دارفور كاملاً، وهنا يبدأ التقسيم وهو مؤشر خطر جداً".
وأشار مختار إلى أن الحل يجب أن يكون شاملاً، من خلال "تسوية وفق معادلة سياسية على أن تتضمن حق الشعب السوداني وتعويضه عن خسائره بفقد ممتلكاته ومحاسبة كل الذين أشعلوا هذه الحرب من خلال لجنة دولية محايدة، وبهذه الصورة يكون السودان قد تجنب خطر التقسيم والتمزق".
ونوه المسؤول الحزبي بأن استمرار الوضع كما هو عليه وأن يكون الحل من طريق الحسم العسكري فهذا أمر مستحيل، لأن ما يجري على الأرض لا يشير إلى بوادر حسم قريب لصالح أي طرف، وفي المقابل نجد أن المواطن يدفع الثمن ومزيداً من المعاناة من جوع وفقر ومرض ونزوح كلما استمرت الحرب ساعة واحدة.