تكمن أفراح الفتيات بين أزقة وشوارع المدن؛ نتيجة قساوة الحياة التي يمر بها اليمن. فتيات أنجبتهن الحرب وهن في مقتبل العمر، دافعن طفولتهن وأحلامهن الصغيرة؛ لكي يحملن هم الكبار بالبحث عن لقمة العيش لتسد رمق جوعهن، وتكفل احتياجات أسرهن.
عمالة الفتيات
أسرار مهيوب في ربيعها الثالث عشر، لكنها تحمل هم من تجاوزت أعمارهم الستون عاماً، تتوافد يومياً لبيع مناديل وأعواد الأسنان، وقليل من مقصوصات دينية، تنطلق مع انطلاق أشعة الشمس إلى شوارع مدينة تعز القريبة من ازدحام المطاعم والأسواق، أما أن تبيع كل ما بحوزتها قبل المساء أو تستمر حتى غروب الشمس في عملها الشاق، لتعود وتعطي والدتها ثمار عملها.
تقول الطفلة (أسرار) لـ "يمن فريدم " إن لديها ثلاثة أشقاء هي الأكبر عمراً بينهم، فالحرب أخذت والدها إلى الأبد وهي تحملت عبء الحياة. فعملها الشاق في شوارع وجولات المدينة بيع مقتنياتها على المارين.
فقدت أحلامها وطفولتها ليغدوا كل همها كم ستدّخر لعائلتها وتسعد به أمها الأرملة وأخوتها الاثنين.
وتضيف قائلة: "على الرغم من المضايقات المتعددة التي قد لا أستذكرها الآن، لا أستطيع أن أغادر وأترك عملي، فهو بالنسبة لي ولأسرتي مصدر عيش، وفي سبيل هذه الغاية تركتُ دراستي وتعليمي".
ليست (أسرار) من تعمل هنا فقط، بل تتوسع ظاهرة أعمال الفتيات بالتزامن مع مضاعفات الانهيار الاقتصادي في البلد.
(أفنان فؤاد) هي الأخرى تعمل في بيع السواك لتساند والدها في لقمة العيش، وتقول "اشتغل في بيع المساوك لكي أساعد والدي الذي يعمل في بيع الشاي لفترة طويله من الصباح إلى المغرب لكن ذلك لم يغطِ احتياجاتنا اليومية".
تدرس (أفنان) صباحاً لكنها، تباشر عملها يومياً بعد خروجها من المدرسة وتستمر من الوحدة ظهراً حتى السادسة مساءً من كل يوم لتساند والدها في تكاليف المنزل نتيجة الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد.
وتضيف "الشارع الذي نستخرج منه لقمة عيشنا لن يعطيك حقّك وأجرك إلا بمشقة وصعوبات وآلام نتجرعها يوميا من روّاد الشارع وزبائن هذه المهنة”، وتتابع حديثها بحرقة: "نحن نتألم فعلا. نبكي يوميا، نعيش حالة صراع مع الحياة من نوع آخر، صراع للحصول على لقمة العيش، ولا أستطيع التحدث أكثر من هذا".
أسباب عمالة الفتيات
ضاعفت الحرب الدائرة في اليمن من تردي الأوضاع المعيشية عند كثير من الأسر مع ارتفاع معدل البطالة ما دفع الفتيات للعمل كباعة متجولات في شوارع المدن لمساندة أسرهن في توفير لقمة العيش.
الدكتور محمود البكاري دكتور علم الاجتماع بجامعة تعز يقول إن من أسباب خروج الفتيات للعمل كباعة متجولات في الشوارع تكمن في انعدام فرص العمل أمام العائل وزيادة معدلات الفقر والبطالة، إضافة إلى حالات فقدان العائل أو العجز عن العمل.
وأضاف البكاري أن عمالة الفتيات أصبحت ظاهرة منتشرة، "فإن ذلك يعد تعبير عن ظروف قاهرة فرضت على المجتمع اليمني".
آثار نفسية واجتماعية
تترتب على عمالة الفتيات آثار نفسية واجتماعية كثيرة، وأضح الدكتور البكاري أن من أبرز الآثار التسرب من التعليم، بالإضافة إلى حالة الشعور بالقلق والخوف من التواجد في الشارع، والنظر الاجتماعية الدونية التي تلحق بالفتاة وقد لا تحظى بفرصة زواج بسبب ذلك.
وقالت أستاذة التربية الخاصة، الدكتورة افتخار الشميري، "إن الآثار النفسية لعمالة الفتيات لاحقهن لفترة طويلة من أعمارهن، وإن الفتاة ستصبح أمّا في المستقبل، ولأنها ظاهرة تحمل انعكاسات سلبية على الفتيات، من بينها الانهيار النفسي؛ إذ أن الفتاة في المجتمع اليمني لها خصوصية التعامل والاحترام، فكيف برؤية فتاة أو طفلة تعمل أو تبيع مناديل في الجولات أو في أي مكان عام".
وأشارت الشميري إلى "أن الفتاة قد تتعرّض للتحرش الجنسي والمضايقة من قبل ضعفاء النفوس، وكذلك توثر هذه الظاهرة على تعليم الفتاة، فلا تحصل على حقّها في التعليم، إلى جانب العيب والحرج من عمل الفتاة، وهذا ينعكس على شعورها بالخجل من نفسها، مما يترتب عليه الشعور بالقلق والاكتئاب النفسي لتصل بعد ذلك للانهيار الأسري، وهو ما ينعكس على طريقة التعامل في المستقبل مع الزوج أو الأولاد".
حلول
يرى أستاذ علم النفس الاجتماعي، الدكتور لطف قحطان، أن الحلول تكمن في تشجيع العملية التعليمية من خلال تفعيل الأنشطة الصفية واكتشاف المواهب، وتوعية أهالي الأطفال العاملين من الفتيات على خطورة بقائهن لساعات طويلة بعيدة عن مراقبه الأسرة تخوفا لاكتسابهن عادات لا أخلاقية، مضيفا "أن تثقيف الفتيات والاباء والأمهات على أهمية التعليم.
وأكد أن من الضروري أن تنفذ برامج مساعدة اجتماعية للحالات المستحقة للرعاية الاجتماعية، وإنشاء صناديق خيرية لمساعدتهن.
احصائيات
تكشف تقارير الأمم المتحدة أن عدد أربعة ملايين طفل يعملون في اليمن نتيجة الحرب منهم 45% من الفتيات و55% من الأطفال.
وتشير التقارير إلى أنه نظرا للحاجة أصبح العمل للإناث والذكور في جميع المجالات والأنشطة الاقتصادية، ويُعزى خروج الفتيات الصغيرات للعمل إلى أسباب منها (توقف المدارس لفترات بسبب الجائحة، نزوح أهاليهن نتيجة الحروب من مناطق الصراع إلى المناطق الآمنة والحاجة إلى سد الجوع، فقدان عائل الأسرة لكثير منهن).