7 يوليو 2024

مطالبات في مناطق سيطرة الحوثيين بصرف المرتبات

مرتبات الموظفين.. ورقة تجاذب بين الحكومة والحوثيين
14 سبتمبر 2023
يمن فريدم-خاص
تصوير: محمد حويس-فرانس برس

 

" أشعر بحزن مرتين الأول لأني لا استلم راتب والثاني لأني لم أتمكن من ممارسة حقي في الإضراب عن العمل" بهذه العبارة لخصت المعلمة (لمياء محمد- اسم مستعار) حالتها في ظل توقف صرف رواتب المعلمين في مناطق سيطرة الحوثيين.

 

لمياء تعمل في احدى مدارس محافظة الحديدة، غربي اليمن، إلا انها لا تعرف متى ستنتهي مأساتها جراء عدم استلام مرتباتها لسنوات.

 

تقول (لمياء) في حديثها لـ "يمن فريدم" إنها تداوم بدون راتب يرافق تلك المأساة الظروف المعيشية الصعبة، وأضاقت في تصريحها "لا أجد قوت يومي، ونعاني من الحر الشديد وسط انعدام الكهرباء الحكومي وارتفاع تكلفة الكهرباء التجارية، ولا يوجد لدينا المال لدفع قيمة الاستهلاك حتى وإن كان مبلغ يسيرا".

 

وتابعت " مع ذلك نستمر بأداء عملنا كونه رسالة سامية ولا نقول غير حسبنا الله ونعم الوكيل في كل من يعرقل صرف مرتباتنا".

 

أزمة متفاقمة

 

يعيش اليمن ظروف صعبة بسبب الأزمات المتعددة التي تواجهها، ومن بينها أزمة مرتبات الموظفين، حيث تعد واحدة من أبرز التحديات التي تؤثر على حياة المواطنين واستقرار وضعهم المعيشي.

 

كما تسبب توقف صرف رواتب الموظفين على القدرة الشرائية والحياة المعيشية للمواطنين، نظرًا لتضخم الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة في اليمن، حيث يجد الموظفون صعوبة بالغة في تلبية احتياجاتهم الأساسية، وهو ما يسبب في ضيق المعيشة وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والإسكان والرعاية الصحية.

 

كما ساعد توقف المرتبات على تفاقم البطالة، حيث أصبح الموظفون يواجهون صعوبة في العثور على فرص عمل مستقرة ومدفوعة بأجر مناسب، مما يزيد من الضغوط عليهم في محاولة لتلبية احتياجاتهم واحتياجات أسرهم.

 

جهود واتهامات متبادلة

 

منذ أن توقف مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين برزت مشكلة كبيرة تصدر أجندة المفاوضات واللقاءات التي عقدها المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، منذ اتفاق ستوكهولم وما تلالها، إلا أنه مع كل جولة مشاورات تزيد الأمور أكثر تعقيدا بسبب التجاذب بين الحكومة والحوثيين في هذا الملف.

 

وعادة ما توجه الحكومة اليمنية أصابع الاتهام للحوثيين بعرقلة رواتب الموظفين وفقا لكشوفات العام 2014، وهو ما يرفضه الحوثيين جملة وتفاصيلا، بل لديه قوائم لموظفين جرى تعيينهم بعد العام 2014، وهو ما يراه مسؤولون حكوميون تعيينات غير قانونية.

 

وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني، قال في تصريح لوكالة "سبأ" الحكومية إن الحوثيين يواصلون اختلاق الأكاذيب والمغالطات لحرف الحقائق وتضليل الرأي العام اليمني والمجتمع الدولي، وتبرير استمرارهم في نهب مئات المليارات من الريالات، ورفض تخصيصها لصرف مرتبات الموظفين والمتقاعدين في المناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتهم، وآخر تلك المغالطات حديثها أن إيرادات الدولة من قطاع النفط قبل العام 2014م مثلت 70% من الموازنة العامة.

 

وأوضح الإرياني "أن إيرادات الدولة قبل العام 2014 لم تقتصر على قطاع النفط الذي كان أحد موارد الموازنة العامة، بل كانت تشمل قطاعات النفط والغاز، الضرائب، الجمارك، الاتصالات، الأوقاف، قطاعات الزراعة والثروة السمكية، الصناعة، السياحة، والتجارة الخارجية وغيرها، وكان اجمالي تلك الايرادات توزع بين صرف مرتبات موظفي الدولة وتمويل المشاريع التنموية التي كانت تكلف مليارات الدولارات سنوياً والموازنات التشغيلية لمؤسسات الدولة".

 

وأتهم الوزير الارياني، الحوثيين بشن حرب اقتصادية على الحكومة للحيلولة دون قدرتها على صرف مرتبات موظفي الدولة في المناطق المحررة، وهاجمت في أكتوبر 2022 السفن والناقلات النفطية في موانئ محافظتي "حضرموت، وشبوة" ما أدى إلى توقف تصدير النفط بشكل كامل، ومنعت بيع الغاز المحلي القادم من محافظة مأرب للمناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، وضاعفت أسعار الرسوم الضريبية والجمركية في المنافذ البرية لمنع حركة البضائع والناقلات بين المناطق المحررة ومناطق سيطرتها، بهدف إجبار التجار على وقف الاستيراد من ميناء عدن وزيادة الجبايات وحصار الشعب اليمني اقتصادياً.

 

بالمقابل قال رئيس وفد الحوثيين المفاوض محمد عبدالسلام في تصريحات سابقة" إن ما يحتاجه اقتصاد البلاد لرفع معاناة الشعب اليمني هو تخصيص الإيرادات النفطية والغازية لمعالجة مشكلات الشعب الاقتصادية وفي مقدمتها المرتبات وإبعاد كل ما له علاقه بالوضع الاقتصادي عن الابتزاز السياسي لتحقيق أهداف عسكرية أو سياسية" على حد وصفه.

 

وتحاول قيادات حوثية كثيرة وموالين للجماعة حملة للدفاع عن تهرب الحوثيين من الالتزامات تجاه الموظفين في مناطق سيطرتهم، ويلقون باللوم على من يعتبرونه " العدوان" و" الحصار"، لكن هذه الحملة تُواجه بحملات مضادة واسعة حتى من مناطق سيطرة الحوثيين، هدف المطالبون بتسليم مرتباتهم إلى ما يعتبرونه تعرية الجماعة وكشف تنصلها من تسليم المرتبات.

 

الحوثيون في مرمى الضغوط

 

ومع الاتهامات المتبادلة بين الحكومة والحوثيين، هناك رأي آخر للموظفين في مناطق سيطرة الجماعة، وهي عرقلة الحوثيين لحل مشكلة المرتبات، في ظل الحديث عن مليارات الريالات يجنوها من مؤسسات إيرادية كالاتصالات والمشتقات النفطية والغاز وغيرها من الجهات الإيرادية.

 

هذه الاتهامات الشعبية جعلت الحوثيين تحت الضغط ما أجبرهم على اللجوء لأساليب الترهيب والوعيد للكل من ينساق في حملة الضغط لمطالبة الجماعة بتسليم المرتبات في مناطق سيطرتها، وقد تعرض ناشطون وصحفيون ومواطنون لاعتداءات وتهديدات بالاعتقالات، وسط اتهامات أن من يشارك في هذه الحملات هم من " الطابور الخامس".

 

 وفي تصريح لـ "يمن فريدم" قال (علي - اسم مستعار) إنه شارك في الحملة أملا في أن يستجيب الحوثيين لمطالبهم وتسليم مرتباتهم المنقطة منذ سنوات، وأضاف أن من يسيطر على الشمال هو المسؤول عن تسليم المرتبات.

 

ويشرح (علي) الذي فضّل عدم الكشف عن هويته خوفا من تعرضه لاعتقال، عن وضعه المعيشي، فهو يعيب أسرة مكونة من أربعة أطفال إلى جانب زوجته، وحاله كحال عشرات آلاف من الموظفين الذين ينتظرون انفراجه للتسليم مرتباتهم.

 

ضغوط متزايدة رغم المبررات

 

منذ بدء أزمة المرتبات حاول الحوثيون إيجاد مبررات وحجج تبعد عنهم المسؤولية التي تقع على عاتقه، والتي حاول من خلالها رمي هذه المسؤولية للأطراف الأخرى كالحكومة اليمنية والتحالف العربي، واعتبرها أطراف شاركت في توقف تسليم مرتبات الموظفين.

 

يقول (أبو بكر) اسم مستعار لموظف حكومي في صنعاء "إنه على مدى 8 سنوات حاولت جماعة الحوثي التهرب من استحقاقات المرتبات التي تعد من أهم مهام أي دولة واختلفت العديد من الأعذار للتخلص من التزاماتها ابتداء بحجة نقل البنك المركزي إلى عدن والحرب والحصار، وعدم السماح لدخول المشتقات النفطية من ميناء الحديدة لإيداع عوائدها لصالح المرتبات، ومع سقوط كافة الذرائع خلال الهدنة ذهبت إلى أن الراتب لابد أن يكون من مبيعات النفط وكل هذا للترهب من مسؤولياتها".

 

وشارك أبو بكر ضمن الحملات التي زادت في مناطق سيطرة الحوثيين للمطالبة بتسليم المرتبات، وهو ما شكل ضغطًا كبيرًا على الجماعة وأوضح في حديثه لـ " يمن فريدم"، "زادت في الآونة الأخيرة ارتفعت الأصوات المطالبة بالراتب ودخلت فيها تكتلات كنادي المعلمين واحست الجماعة بضغط شعبي فعلي لأول مرة وحاولت اسكاته بالتهديدات وكيل التهم لكل من يطالب براتبه أنه طابور خامس ومتعاون مع ما تسميه العدوان وصولا إلى رسائل التهديد والاعتداء بالضرب كما حصل مع مجلي الصمدي فالجماعة ترى أن المطالبة به جريمة تستحق العقوبة".

 

وما يزال أبو بكر يعاني من صعوبة المعيشة في مناطق سيطرة الحوثيين، خاصة الموظفين الذين حُرموا من مرتباتهم من سنوات" وقال " صبر الموظفين سنوات طويلة على انقطاع المرتبات واضطروا إلى العمل في مهن دنيا وتعرضوا للطرد من المنازل والحالات النفسية وغيرها ولم يعد هناك مجال للصبر، وتحاول الجماعة بأساليب العنف والتخوين الهروب من الضغط الشعبي وتهدئة الشارع واعتقد أنهم يدركون أنهم يعيشون مرحلة خطيرة قد يحدث فيها الانفجار في أي لحظة ولا يمكن لأساليب التخويف أن تقف دونها".

 

 "مبررات غير مقبولة"

 

ومن وجهة نظر المطلعين والمتابعين لأزمة مرتبات الموظفين هناك عوائق كبيرة بين الحكومة والحوثيين، ويرى البعض أن هذا الملف، فهو معقد جداً ولن يتم حله بسهولة.

 

وتعليقا على هذا الموضوع يقول الناشط، رياض الدبعي في تصريحه لـ "يمن فريدم" "عملياً الحوثي لن يدفع فلساً واحد لأي موظف في مناطق سيطرته رغم أن يسيطر على ثمان محافظات يمنية ولديه ايرادات تفوق ايرادات الشرعية. لأنه الحوثي يدرك بأنه مليشيات، وأن هذا الحال سوف يتغير يوما ما لذلك الحوثي لا يأخذ إدارة المناطق التي يسيطر عليها على محمل الجد. هموم الناس ومعاناتهم هي اخر هم الحوثي".

 

ويقول رياض، إن الحوثيين يجنون مليارات من الضرائب والجمارك والزكاة وميناء الحديدة والاتصالات ومع ذلك يصدر كل أزماته الداخلية إلى الخارج".

 

وأضاف " الأهم من هذا كله أن الحوثي يتنصل من كل الاتفاقات. وأبرز مثل على ذلك اتفاق ستوكهولم، نص الاتفاق على أن يورد الحوثي ايرادات ميناء الحديدة إلى حساب مستقل تشرف عليه الأمم المتحدة من أجل دفع رواتب أبناء الحديدة، ونص الاتفاق إذا كان هناك عجز سوف تغطيه الشرعية، لكن ماذا حصل بعد نهب الحوثي كل هذه المبالغ من الحسابات وتقدر 53 مليار ريال".

 

وختم حديثه بأن مبررات الحوثي أصبحت غبر مقبولة لدى الشارع في المناطق التي يسيطر عليها.

 

واتفق معه أبو بكر الذي أكد أن " المبررات التي يستعرضها الحوثيون لم تعد غير مقبولة لدى الموظفين في مناطق سيطرتهم، كما يقول الكثير من المطالبين بصرف رواتبهم، في ظل عدم جدية الجماعة في التعاطي مع هذا الملف المثقل بهموم عامة الناس".

 

معالجات لملف المرتبات

 

إن حل أزمة مرتبات الموظفين في اليمن يتطلب جهودًا مشتركة من الحكومة اليمنية والحوثيين والمجتمع الدولي، وقد يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لتحقيق تحسن كبير في الوضع الحالي حتى يتوصل الجميع إلى صيغة مشتركة يمكن من خلال الاتفاق على تسليم مرتبات الموظفين.

 

وثمة أشياء وخطوات كثيرة ينبغي على الحكومة اليمنية المعترف بها، والحوثيين القيام بها من أجل تجاوز كافة الصعوبات أملا في حلحلة هذا الملف المعقد الذي يفاقم من معاناة السكان منذ سنوات.

 

سألنا في " يمن فريدم" من وجهة نظر حقوقية، رئيس منظمة "سام" للحقوق والحريات، توفيق الحميدي عما يجب على الطرفين القيام به من أجل تسليم مرتبات الموظفين، وقال " بالنسبة للطرفين يجب أن يتركا الخلاف السياسي جانبًا بعيدًا عن الملف الإنساني، وعلى رأسها أزمة الرواتب، هناك نقاش كبير حول تفاصيل بعضها متعلقة بالحسابات السياسية، ويمكن بالفعل الوصول إلى أرضية مشتركة، إذا ظلت فجوة انعدام الثقة واسعة يجب أن يدار هذا الملف من قبل طرف خارجي، سواء يمني أو دولي، وعلى كل طرف يلتزم بواجباته المالية، تور الايرادات المالية إلى حساب مشترك، يخصص لرواتب الموظفين. 

 

وعن الطرف المعرقل لحل لهذا الملف أوضح الحميدي أن " الحرب هي المعرقلة، وكل طرف يتحمل جزء من المشكلة، وإن كانت جماعة الحوثي هي الطرف الأكثر عرقلة، خاصة وأنها بدأت الحرب، وخلقت الواقع الحالي، وعليها التزام تجاه الموظفين الذين تحت سيطرتها. أما أن تدفع قواتك إلى الحكم، ثم تطلب من الآخرين أن يتحملوا مسؤوليتك، هذا غير مقبول".

 

وتابع رئيس منظمة سام " من يسيطر على السلطة يدفع الراتب أقل الواجبات والالتزامات، جماعة الحوثي تفرض إتاوات خارج القانون بحجج متعددة، وتحمل المدنيين تكاليف احتفالاتها الدينية كواجب ديني، وعندما يأتي واجبها لدفع الرواتب تحولها إلى معركة مع العدوان بحسب زعمها، هذا منطق غير سوي، وفيه تهرب وتسطيح للأزمة الحالية، وهي أزمة أصيلة وحقيقة، الحكومة حاليًا ملتزمة بدفع الرواتب والعملية مستمرة في مناطق سيطرتها، في حين ايرادات الدولة التي تحت سيطرة الحوثي لا يريد الحوثي تورد لأجل الرواتب المستحقة".

 

وستظل أزمة المرتبات قائمة بين الحكومة اليمنية والحوثيين، وسيزداد معها التدهور المعيشي للموظفين في مناطق سيطرة الجماعة في الشمال، والتي تنصلت من التزاماتها تجاه من يعملون في المؤسسات الحكومية التي تسيطر عليها منذ العام 2014.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI