9 يونيو 2025
2 إبريل 2025
يمن فريدم-خاص-مرفت الربيعي


في موسم السيول، تعرضت عدد من مناطق محافظة الضالع (جنوبي اليمن) لحوادث مروعة، حيث جرفت السيول أربع نساء كن في طريقهن للمنزل، بالإضافة إلى سيارة كان يقودها أحد أبناء المنطقة، وعلى متنها أكثر من 20 راكباً، نجا الركاب بأعجوبة بثلاث دقائق، بالإضافة إلى انقطاع الطلاب عن التعليم، وصعوبة الوصول إلى المراكز الصحية، وتعتبر هذه الحوادث سنوية، ما يهدد حياة المزيد من المواطنين في المستقبل.

وبرزت مبادرة مجتمعية ملهمة فريدة من نوعها قادها المهندس، أمين الحويج، الذي لم يتردد في التضحية بأحد أهم ممتلكاته – سيارته الخاصة – ليضع اللبنة الأولى في مشروع "شق طريق تورصة" لشق طريق جبلية، لربط خط الأزارق بمديرية "المسيمير" وخط الملاح في محافظتي الضالع ولحج، بعيداً عن مجاري السيول، بدأت منذ عدة أشهر ولا زالت مستمرة.

المهندس أمين الحويج، رئيس المبادرة، يقول " مسافة الطريق المستهدفة في مبادرة "شق طريق تورصة" تبلغ 55 كم متراً، والعزل المستفيدة منها (تورصة، عهامة، مخران، حورة غنية، الرباط، شان)، حيث تقدر تكاليف التنفيذ بـ 123 مليون ريال".

بدأت المبادرة بحلم راود أبناء المنطقة لسنوات، حلم بوجود طريق آمن يربط الأزارق بمديرية المسيمير وخط الملاح، وبلاد الأحمدي، بعيداً عن مخاطر السيول التي كانت تعزل القرى وتعيق تنقل الأهالي، ومع غياب الدور الحكومي في تمويل المشاريع الحيوية، قرر أمين الحويج أن يأخذ زمام المبادرة بنفسه، فباع سيارته وتبرع بثمنها ليكون أول المساهمين في المشروع.

لم يتوقف عطاؤه عند بيع سيارته والتبرع بثمنها، بل واصل دعمه للمبادرة بكل ما يملك، في خطوة أخرى تعكس التزامه العميق، قرر التبرع براتبه الشخصي لتغطية تكاليف استئجار العمال، لضمان استمرار العمل دون انقطاع، كان يؤمن أن هذا المشروع ليس مجرد طريق، بل شريان حياة لآلاف السكان الذين طالما عانوا من العزلة وصعوبة التنقل.

وعلى الرغم من الحرب التي أوقفت عجلة التنمية، ووسط تقاعس الجهات الحكومية، ظهرت العديد من المبادرات المجتمعية التي تهدف إلى إنجاز مشاريع تنموية، صحية، تعليمية، من بينها مبادرة (شق، ورصف، وتوسعة) الطرق التي عجزت الدولة عن تنفيذها.

تحديات

واجهت المبادرة تحديات جمّة، من نقص الإمكانيات إلى وعورة التضاريس، يستطرد الحويج " ما زلنا في بداية المشروع ونواجه مشاكل عديدة لوعورة الجبال، إضافة إلى نقص الدعم في ظل ظروف الناس الصعبة، مضيفاً "منذ بدء المشروع قبل أشهر، أنجزنا القليل ولم نستطع توفير الموارد اللازمة لاستكمال العمل".

لم يكتفِ أمين بالمساهمة المالية فحسب، بل قاد الجهود بنفسه، متنقلاً بين الوديان، يحث الناس على التكاتف والتبرع، ويتابع تنفيذ العمل خطوة بخطوة، في كل صباح يتوجه إلى موقع المشروع يسير بين الصخور والتراب، يشرف على الجرافات، يشارك العمال في الحفر، مشجعاً الجميع على الاستمرار رغم الصعوبات.

وأوضح أنه تم نزول شيول لمسح نصف الطريق حيث إن هذا الجزء صخري ويتطلب توفير كمبريشن هواء مع مواد متفجرة لتفجير الصخور، ليتمكن الشيول من مسح ما تبقى من الطريق".

تواصل المبادرة المجتمعية

التحدي والصمود في وجه صعوبات الحياة، ساعية لتغيير واقع المنطقة وتخفيف معاناتها لتسهيل المرور في المناطق الجبلية الوعرة، وبحسب الحويج " ساهم المجتمع بمبلغ بسيط نظراً للظروف الصعبة، تلقيت دعم من المجلس الانتقالي (زيوت وبنزين) غير أنه لا يغطي التكلفة المطلوبة".

تلاحم مجتمعي في مواجهة الأزمات

في غياب الاستجابة الحكومية الفعالة، يتكاتف المجتمع عبر مبادرات شعبية تحاول مواجهة الأزمات بنفسها، مبادرة "شق طريق تورصة" ليست مجرد مشروع، بل حركة مجتمعية تثبت أن إرادة الناس قادرة على صنع التغيير، رغم الصعوبات والتحديات التي تعترض طريقهم، وبينما تتزايد التحديات، تظل المبادرات المجتمعية شاهداً على إصرار السكان لتحسين واقعهم رغم شح الإمكانيات والموارد.

يقول الحويج "لا يجد المواطنون في الضالع خياراً سوى الاعتماد على أنفسهم لشق الطرق بجهود ذاتية، مستعينين بتبرعات الأهالي وفاعلي الخير لإنقاذ حياتهم من العزلة والمخاطر الطبيعية، كجرف السيول للممرات التي تجعل الوصول إلى القرى الجبلية مهمة شبه مستحيلة".

في ذات السياق يقول الناشط، فؤاد المقرعي، أحد أبناء المنطقة " هذا المشروع سوف يخدم أكثر من 5000 نسمة من السكان، والقرى التي على ضفاف وادي الغيل من "أعمور" إلى "تورصة" تعاني نفس المعاناة خاصة في موسم الأمطار وتدفق السيول، حيث تنقطع الطريق نهائياً ولا توجد جهود للسلطة المحلية".

وأشار المقرعي إلى أن أهالي بلاد الأحمدي يطالبون بإعادة إصلاح طريق "فراثة الحقل" المؤدية إلى مديرية "الأزارق"، والتي دمرتها السيول، الطريق كانت قد بدأت أعمالها عام 2015، لكن العمل توقف بسبب الحرب، ولم يعرف السبب الحقيقي لتوقف المقاول عن العمل حتى الآن".

الأوبئة والتهديدات الصحية

يشرح الحويج" انتشار الأمراض المزمنة مثل الملاريا والكوليرا في المناطق التي تقع على ضفاف وادي تبن، نتيجة مرور الناس مجرى السيول بالإضافة لانقطاعهم عن العالم عند تدفق السيول كل ذلك يزيد إصراري لتكملة شق الطريق".

"وسجلت المنطقة انتشاراً لمرض الكوليرا، مع حالات مؤلمة من ضمنها وفاة طفل لم يتجاوز عمره ست سنوات، وإصابة عائلة بأكملها، بالإضافة إلى أحد المسعفين الذي تأثر بعد تقديمه العون لهم بفترة قصيرة". بحسب الناشط المقرعي.

وتواجه محافظة الضالع أزمة حادة في البنية التحتية للطرق، حيث تعاني العديد من المناطق من عزلة خانقة، خصوصاً خلال موسم الأمطار وبرزت المبادرات المجتمعية كحل وحيد لإنقاذ السكان من هذه المعاناة.

يقول مدير عام مكتب الطرق بمحافظة الضالع، عبد الرحمن حمود، بأنه "لا يوجد في المحافظة إمكانات كافية فهناك نقص في المعدات والآليات مثل الشيول مما يصعب تلبية احتياجات المواطنين في وقت الطوارئ، خاصة عند نزول الأمطار".

بالإضافة "لعدم توفر الدعم المالي أو آليات من الحكومة المركزية، ورغم ذلك، يتم متابعة وزارة الأشغال وصندوق صيانة الطرق والجسور لإعادة تأهيل العديد من الطرق خلال هذا العام" حد تعبيره.

وأكد حمود أنه رغم وعود الحكومة المتكررة، فإن الدعم المقدم ما زال شحيحاً للغاية، وأن جميع الجهود تصب في محاولة تحسين الوضع الحالي من خلال التعاون مع الجهات الدولية والمنظمات الإنسانية".

وأشاد بدعم وتفاعل المجتمع المدني في إنجاح مشاريع المبادرات المجتمعية حيث تمثل صورة مصغرة للتلاحم الشعبي، الذي يسعى للتغلب على أزماته بنفسه".

وهناك طرق تم تنفيذها من خلال المبادرات المجتمعية مثل رصف طريق "نقيل حرير" في مديرية "الحصين"، ورصف العقبات الصعبة في طريق "عدينة " مرات حرير في نفس المديرية، بالإضافة إلى رصف طريق "العوابل المضو" في مديرية "الشعيب" كما تم شق ورصف مقاطع من طريق "لكمة الأعبار" بدعم من أحد رجال الأعمال في منطقة الملحة مديرية الضالع"، بحسب حمود.

وأشار الحويج إلى أن هذه المبادرة ستستمر في العمل رغم التحديات الكبيرة، مضيفاً انفقت ما بحوزتي لاستكمال المشروع الذي قمت به، أمامنا الكثير من العقبات وإذا لم نحصل على المساعدة اللازمة، قد نتوقف بسبب شح الإمكانات ".

في ذات السياق يقول عبدالحافظ خالد من مديرية "الأزارق" "يعتمد الناس على المبادرات المجتمعية لشق الطرق، فطريق عدن حمادة، الرابط بالمحافظة، يمتد حوالي 15 كيلومتراً، ويعد من أسوأ الطرق في المحافظة، رغم وجود بعض التدخلات الحكومية والمنظمات وفاعلي الخير، وكذلك مساهمة الأهالي، إلا أنه لم يتم تحقيق أي تحسن ملموس"، مضيفاً "طريق الضالع حمادة كان قد تم إعداد دراسة وخطة لزفلتة الطريق، لكن المشروع تعثر".

يوجه أمين الحويج دعوة لرجال الخير والجهات المختصة لدعم شق طريق "تورصة" لأنها شريان حياة لكثير من المواطنين في كثير من القرى الذين يعيشون في عزلة تامة في موسم الأمطار ناهيك عن انقطاع الطلاب عن الدراسة وعجز المرضى عن الذهاب لتلقي العلاج.

تحولت مبادرة "شق طريق تورصة" إلى نموذج مُلهم يعكس قدرة المجتمع اليمني على النهوض بنفسه رغم قسوة الظروف، لتظل هذه الجهود شاهداً حياً على أن التنمية يمكن أن تبدأ من إرادة فرد، تتوسع لتصبح إرادة جماعية تصنع الفرق.

وتستمر المبادرات المجتمعية في تقديم الدعم لأبناء المناطق المحرومة من الخدمات الأساسية، حيث لا تزال هناك العديد من الطرق التي يحتاج سكانها إلى تدخل حكومي أو دعم إضافي لاستكمال مشاريعها وتنفيذ مشاريع أخرى لضمان وصول المواطنين إلى الطرق الآمنة التي تخدمهم بعيدًا عن مجرى السيول.
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI