6 يوليو 2025
6 يوليو 2025
يمن فريدم-توفيق الشنواح


تسعى الحكومة الشرعية اليمنية لوقف الانهيار الاقتصادي المتسارع من خلال جملة من المعالجات الاستراتيجية، تشمل إعادة تشغيل مصفاة عدن النفطية بعد توقف دام أكثر من 10 أعوام جراء الحرب الذي سببه الانقلاب الحوثي والصراع السياسي البيني داخل الحكومة.

وعلى رغم وعيد الجماعة الحوثية المدعومة من إيران باستهداف المنشآت والمصالح النفطية في مناطق سيطرة الحكومة ما لم تحصل على نصيب وافر من العائدات، فإن الشرعية ماضية في إعادة تأهيل واحدة من أقدم المنشآت البترولية داخل المنطقة العربية، بعد خروجها الكامل عن العمل خلال عام 2015 في جهد حثيث يسعى إلى تخفيف وطأة العجز المالي، الذي تعانيه الحكومة مع توقف تصدير النفط والغاز من ميناءي شبوة وحضرموت نتيجة قصفهما من قبل ميليشيات الحوثي المدعومة من النظام الإيراني، عام 2022.

وأعلنت إدارة شركة "مصافي عدن" ضمن بيان أن فرقاً هندسية وفنية باشرت عمليات صيانة مكثفة تشمل وحدات الإنتاج وخزانات تكرير النفط والضخ وخطوط الأنابيب وغيرها، حتى التوصل إعادة تشغيل عدد من الوحدات الرئيسة في القريب العاجل.

وأوضح البيان أن العمل على تشغيل وحدة التقطير الفراغي إلى جانب وحدة إنتاج الأسفلت ستلبي حاجات اليمن من هذه المادة الحيوية، مما سيسهم في وقف استيرادها من الخارج ويقلل من كلفة مشاريع الطرق والبنية التحتية.

وأشارت "مصافي عدن" إلى أنه ستُشغل وحدة تكرير النفط الخام بطاقة إنتاجية تبلغ 6 آلاف برميل يومياً لإنتاج مادتي الديزل والمازوت، وذلك عقب الانتهاء من التشطيبات النهائية لهذه الوحدة المهمة، مؤكدة أن هذه الأعمال "تنفذ بتمويل ذاتي من الشركة وبسواعد وطنية من المهندسين والفنيين العاملين داخلها، في إطار خطة زمنية طموحة تهدف إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي من المشتقات النفطية وتحسين الوضع الاقتصادي العام في البلاد".

وقف سباق السيطرة والهدر

وتأتي الخطوة الحكومية الواعدة تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء القاضي قبل أسابيع بإعادة تشغيل المصفاة كمنطقة حرة تقع في ميناء العاصمة الموقتة عدن (جنوب)، وسبقه قرار مماثل صدر قبل عام لكنه لم ير النور جراء عدة تحديات تتعلق بتمويل عملية الإصلاحات والصيانة، إضافة لحال الصراع البيني داخل أجنحة الحكومة الشرعية وسباق الأطراف للسيطرة على المصفاة، مع تبادل تهم الفساد خلال الفترة الماضية.

ومن شأن تشغيل المصفاة إتاحة الفرصة للشركات العالمية والمحلية في استيراد النفط الخام والمشتقات إلى خزانات المصفاة، وإعادة تصديرها وبيعها للسوق التي تشهد شحاً شديداً في المواد البترولية بأسعار منافسة.

يقول الباحث الاقتصادي عبدالحميد المساجدي إن إعلان استئناف أعمال الصيانة في مصافي عدن بعد أعوام من التوقف يعد "تطوراً اقتصادياً، لاستعادة جزء من القدرات الإنتاجية الوطنية في قطاع الطاقة"، كون ذلك يمثل "ضرورة ملحة في ظل استمرار توقف تصدير النفط الخام نتيجة الهجمات الحوثية على موانئ التصدير، مما حرم البلاد من مورد مالي رئيس وأجبرها على الاعتماد شبه الكامل على استيراد الوقود من الخارج بكلف باهظة تثقل كاهل الخزانة العامة".

ويشير المساجدي خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" إلى أن "التوجه نحو التكرير المحلي يمثل خياراً استراتيجياً لتقليل الاعتماد على الخارج، وتوفير كميات من الوقود لتغطية حاجات محطات الكهرباء التي تمثل أحد أكبر مصادر الإنفاق الحكومي". ويوضح أن "شراء الوقود من السوق الدولية يتم بأسعار مرتفعة في ظل تقلبات سوقية مستمرة، في حين أن التكرير المحلي قد يوفر بديلاً أقل كلفة وأكثر استقراراً مما يساعد في تقليص فترات انقطاع الكهرباء، وتحسين الخدمات العامة بصورة عامة".

وتأسست مصفاة عدن عام 1952 أثناء حقبة الاستعمار البريطاني للمدينة واليمن الجنوبي، وتعد أكبر منشأة لتكرير النفط داخل البلاد وتراوح قدرتها ما بين 70 و130 ألف برميل يومياً، وظلت تغطي جزءاً كبيراً من حاجات السوق المحلية من النفط المكرر والمورد الوحيد للمشتقات النفطية، فضلاً عن كونها مركز تخزين للمحافظات كافة.

وجاء إنشاء المصفاة نظراً إلى أهمية مدينة عدن وموقعها الاستراتيجي المطل على خليج سمي باسمها، ونفذتها "شركة الزيت البريطانية"، (بي بيBP (، بطاقة استيعابية تصل إلى 170 ألف برميل يومياً، أي 8.5 مليون طن متري كل عام، ثم آلت ملكيتها إلى دولة الاستقلال لجمهورية اليمن الديمقراطية (الجنوبية) عام 1977 التي عملت فوراً على تأهيل كوادر يمنية لتشغيلها وإدارتها.

خفض فاتورة الاستيراد

ولما تحمله هذه المساعي من أهمية، يُتوقع أن تسهم في تخفيف الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعانيها الحكومة والمواطنون داخل المناطق التابعة لسيطرتها، خصوصاً العجز الحاصل في بند الرواتب وتوفير الخدمات. وبالنظر إلى الجدوى التي ترتجيها حكومة اليمن يشير الباحث المساجدي إلى أن "الجدوى لا تتوقف عند حدود خفض فاتورة الاستيراد، بل تمتد إلى تحسين ميزان المدفوعات من خلال تقليص العجز في الميزان التجاري"، ذلك لأن "كل برميل من الوقود يُكرر محلياً يعني برميلاً أقل يُستورد بالدولار، وهو ما يخفف من الطلب على العملة الأجنبية، ويساعد تدريجاً في استقرار سعر صرف الريال اليمني الذي يعاني ضغوطاً شديدة منذ أعوام"، إضافة إلى ذلك "فإن بيع المنتجات النفطية المكررة سواء لمحطات الكهرباء أو لمحطات الوقود والمستهلكين سيوفر للحكومة مصدراً مالياً مباشراً، يمكن أن يُستغل في دعم قطاعات أخرى أو في تمويل عمليات الصيانة والتحديث المطلوبة للمصفاة، وهي موارد كانت تذهب سابقاً إلى الموردين الأجانب دون عائد محلي حقيقي، بل وتشكل أحد عوامل تسرب النقد الأجنبي من السوق".

لكن على رغم أهمية الإجراء فإن الواقع الفني لمصافي عدن، وفقاً للمساجدي، يطرح تحديات كبيرة "إذ إن كفاءة التكرير الحالية منخفضة للغاية بسبب التهالك وغياب الصيانة خلال الأعوام الماضية، بالتالي فإن الاستفادة القصوى من هذا المشروع تتطلب إصلاحات فنية شاملة أو التفكير الجدي في شراء مصافٍ مصغرة بطاقة تكريرية بحدود 600 برميل يومياً، تمتاز بانخفاض كلفتها وسرعة تركيبها وقدرتها على الاستجابة لحاجات السوق المحلية بمرونة".

هل تستمر التهدئة؟

ومع التهديدات الحوثية المتكررة باستهداف المصالح والمرافق النفطية والحيوية، في حال عاودت الحكومة تصدير النفط، فإن الخطوة تأتي في إطار "اتفاق التهدئة" المبرم بين الحكومة والحوثيين برعاية الأمم المتحدة قبل عامين، والقاضي بخفض التصعيد في ما يتعلق بالقطاع المصرفي والاقتصادي وإدارة شركة الخطوط الجوية اليمنية، بعد أعوام من التوترات وإجراءات التصعيد المتبادلة، مما عدَّه مراقبون ثمرة لهذا الاتفاق الذي تُبذل جهود إقليمية ودولية لحلحلته وتحييده عن الصراع، على رغم الانتقادات التي قابلتها الشرعية داخلياً، واعتبار قطاع واسع من اليمنيين أنه تقصير مخل عن أبسط حقوقها في التعامل مع الميليشيات.

فخلال يوليو/ تموز العام الماضي أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ عن اتفاق بين الحكومة وجماعة الحوثي يشمل جملة "تدابير لخفض التصعيد الاقتصادي والمصرفي، وتوسيع الرحلات الجوية المباشرة من العاصمة صنعاء وإليها"، وأشار إلى أن "أية تنازلات تقدمها الحكومة ليست رضوخاً لابتزاز الحوثي وإنما من أجل الشعب اليمني".

وعلى رغم قِدم مصفاة عدن البالغ عمرها نحو 54 سنة، فإنها ما زالت تعمل بكفاءة جيدة نظراً إلى الصيانة المستمرة لها، غير أن تأرجح الطاقة التكريرية من عام إلى آخر وتوقف عمليات الاستخراج في غالبية القطاعات النفطية داخل اليمن، بفعل الحرب التي سببها الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران عام 2014، يضطران الحكومة إلى استيراد كميات من المشتقات النفطية من الخارج لتغطية الحاجة المحلية.

وبعد قيام دولة الوحدة التي وحدت اليمن الجنوبي والشمالي عام 1990، كانت مصافي عدن تستقبل الضخ النفطي الآتي من حقول الاستخراج في محافظة مأرب (شرق) باعتباره من الخام الخفيف والمناسب للمصافي، ويقدر بثلث ما يستخرجه اليمن من النفط الخام، ومنه كانت المصفاة تغطي 90% من حاجات السوق المحلية من البنزين والديزل ووقود الطائرات وغيرها من المشتقات التي تحتاج إليها السوق الداخلية.

إنعاش وأمل

وعلى رغم عدم وصول تلك المعالجات بعد إلى جذور المشكلات الاقتصادية والمالية المنهارة داخل البلاد، فإن حكومة رئيس الوزراء سالم بن بريك تسعى لإحداث انتعاش في موازنة الدولة لمواجهة كثير من بنود الالتزامات لملايين الجوعى والنازحين والمشردين جراء الانقلاب الحوثي وما خلفه من مأساة إنسانية دفع الأمم المتحدة لوصفها بـ"الأسوأ في العالم"، إذ تترجم صور المحتجين بين حين وآخر داخل العاصمة الموقتة عدن وعدد من المحافظات ذلك المشهد الكالح لملايين الجوعى، الذين امتلأت بهم البلاد جراء الانهيار التاريخي لسعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، وهم يعيشون نذر موجة مجاعة وعجز شرائي تام نتيجة الارتفاع الذي يفرضه هذا النزول على أسعار المواد الغذائية والضرورات.

وترجع الحكومة اليمنية كل تلك التبعات لتكبدها خسائر اقتصادية تقدر بنحو ملياري دولار جراء توقف تصدير النفط الخام، عقب استهداف جماعة الحوثي موانئ نفطية جنوب وشرق البلاد أواخر عام 2022، وللسماح بالتصدير ووقف هجماتها اشترطت الميليشيات حصولها على نصيب الأسد من عائدات النفط، وهو ما رفضته الحكومة، مما حرم اليمنيين من دخلهم القومي الرئيس إضافة إلى تكبد الحكومة شراء المشتقات النفطية الخاصة بالتشغيل، التي تستهلك مئات الملايين من الدولارات شهرياً.

وخلال حربها الانقلابية تعرضت مصافي عدن للقصف أكثر من أربع مرات على يد الحوثيين مما أدى إلى احتراقها، وتسبب في خسارة اقتصادية تكبدتها البلاد جراء خروجها عن الخدمة.

(اندبندنت عربية)
 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI