تعبر العادات والتقاليد في المجتمع اليمني وأحدة من أبرز المعوقات التي تحد من حصول النساء اليمنيات على فرص عمل في قطاعات مختلفة في البلاد، وهو ما يعطي مؤشرا واضحا أن هذه العادات والتقاليد تؤثر بشكل كبير على مستقبل النساء، وحرمانهن من أبسط الحقوق التي كفلتها القوانين والدساتير في كل بلدان العالم من بينهن اليمن.
تلعب السياسات العامة التي ترسمها الدولة دورا سلبيا في تهميش المرأة وتغييبها في العمل بالأجهزة والمؤسسات الحكومية، وحتى القطاع الخاص، ذلك يشجع على تراجع المجتمع في تحفيز النساء على العمل، خاصة داخل الأسر التي بدأت تتقبل وجود المرأة في وظيفة عامة أو خاصة، بعيدا عن العادات والتقاليد والمخاوف التي لا يمكن تبريرها.
وجود ضئيل
مقارنة بالدول التي تشدد على وجود المرأة في سوق العمل فإن المرأة تشكل نسبة أقل من المتوقع من اجمالي عدد النساء في كافة مناطق البلاد، وهذه النسبة لم تعد مؤشرا إيجابيا في ظل القيود الاجتماعية التي تحتم على النساء بكافة الفئات العمرية البقاء في المنازل.
وفقا لتقرير منظمة العمل الدولية تشكل المرأة العاملة نسبة 7% من النساء اليمنيات، وتضاعفت النسبة وطرأت عليها تحولات مع سنوات الحرب، وارتفعت بشكل ملحوظ، ولم يكن ذلك في ظروف طبيعية ومثالية، بل أن الظروف المعيشية الصعبة أجبرت آلاف النساء على الخروج من منازلهن للعمل بهدف توفير الاحتياجات الأساسية لأسرهن، ومع ذلك ما تزال جذور المشكلة قائمة بسبب العادات والتقاليد.
قوانين اجتماعية
عادة ما تضع الأسر مجموعة نظم وقوانين خاصة بها ، وتفرض على الجميع الالتزام ،عدا الرجال يستطيعون التمرد عليها وفقا للثقافة السائدة، وتفرض على المرأة التي تعد الحلقة الأضعف في المجتمع، وهذا يوسع فجوة التمييز بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات ، وخاصة فيما يتعلق بأحقيتها بالعمل.
أعتادت الأسر اليمنية أن تولي المرأة اهتماما خاصا كعادة متوارثة كأي مجتمع محافظ تٌعد الفتاة فيه عنوان لشرف العائلة وفقا للمنظور المجتمعي، فإن خروج المرأة أيا كان عمرها من المنزل يتوجب إذن مسبق، عكس الرجال الذين لا يخضعون للقوانين الأسرية، كما يوضح ذلك أستاذ علم الاجتماع الدكتور محمود البكاري: "يعتبر ذلك من باب الحرص على شرف وسمعة البنت وحفاظا على مصالحها كالحصول على فرصة زواج مناسبة".
ويضيف البكاري في حديث خاص لموقع " يمن فريدوم": كلما كانت الأسرة متساهلة مع ابنتها في الدخول والخروج متى ما تشاء كلما كان ذلك معيبا في حق الأسرة، ويعطى نظرة سلبية عن تربية البنت، ولذلك تحرص الفتيات على التقيد بتعليمات الأسرة فلا تخرج لأي عمل أو شأن إلا بعد موافقة الأسرة ومعرفتهم بذلك.
تُمنع أحلام عبد الله -46 عاما- (اسم مستعار) من الخروج من المنزل بمفردها وذلك لخوف والدتها عليها من أي مكروه يصيبها، تحكي أحلام والغصة تخنقها وهي تستجدي والدتها للخروج من المنزل، وتقول لموقع "يمن فريدم": لم يبقى من العمر شيء ولازالت أمي تمنعني من الخروج خوفا من أن يصيبني شيء، حين أطلب الخروج مع صديقتي الوحيدة أظل أطلب من أمي الموافقة لمدة أسبوع وأوقات ترفض وأبقى جوارها في المنزل، وكأن بقائي فيه سيمنع الموت من الاقتراب مني.
مخاوف الأسرة
تبدي الكثير من الأسر جملة من المخاوف والتوقعات أن تتعرض فتياتهم لمكروه في حال انخرطت بسوق العمل، خاصة مع غياب السلطات الحقيقية في المرحلة الراهنة في ظل ظروف الحروب، وغياب القوانين والتشريعات التي يمكن عبرها مواجهة أي سلوكيات وأعمال تستهدف النساء أو تضايقهن في بيئة العمل.
وبحسب الاخصائية الاجتماعية "وسيلة العمري" فإن الخوف الشديد جعل الأهل يخشون على بناتهم من الخروج للعمل أو للزيارات، ويعود ذلك إلى انتشار ظاهرة اختفاء الفتيات خاصة في ظل الحرب والانفلات الأمني في غالبية محافظات البلاد، الأمر الذي استوجب حرص الأسرة في الحفاظ على فتياتهن كونهن يمثلن شرف الأسرة وسمعتها فلا تخرج إلا مع أمها أو اخيها، ولا يأمن عليها حتى تتزوج.
معتقدات
في ظل سلطة الرجل على المرأة في المجتمع اليمني تضيع حقوق النساء وتضيع معها أحلامهن، وأقصى ما يمكن القيام به هو السماح للمرأة بإكمال التعليم الجامعي، لكن لا يسمح لها بمزاولة أي مهنة وتظل حبيسة المنزل، كما هو حال هند -26 عاما- (اسم مستعار)، والتي تحدثنا بإسم مستعار حفاظا على مشاعر إخوتها الذين منعوها من العمل بحجة أنهم من ينفقون عليها ويلبون جميع رغباتها، تقول في حديثها لموقع يمن فريدم: "درست الجامعة بعد إلحاح شديد وبعدها لم يتقبل إخوتي فكرة العمل حتى لو كان من المنزل لأنهم يمنعون احتكاكي بأي رجل".
عاشت هند سنواتها الأولى في العاصمة صنعاء والتحقت بالتعليم في مدارسها وأنهت البكالوريوس في الصحافة والإعلام، تنتمي أسرتها إلى محافظة إب جنوب غرب البلاد، حيث تدني نسبة تعليم الفتيات فيها، وغياب فرص التوظيف للنساء، تقول هند: " في قريتنا ممكن البنت تدرس لمرحلة معينة، لكن تشتغل وأهلها حالهم ميسور هذا عيب في حق اسرتها، وهذا سبب رفض إخوتي لعملي".
دور الأسرة
ترسخ في ذهن المجتمع صورة عن المرأة أنه لا يمكن أن تعمل سوى في مجال التدريس، الأمر الذي شجعهم على أن يلحقوا بناتهم بالتعليم، وخوفهم على فتياتهم من أي مكروه أو حتى من حديث الناس عنهن يمنعهم من الموافقة على أي عمل إلا بشروط أهمها أن تعود الفتاة للمنزل قبل غروب الشمس، تحاول مريم -30 عاما- (اسم مستعار) بكل الطرق اقناع والدتها الموافقة على عملها في شركة خاصة براتب جيد إلا أن والدتها ترفض كل محاولاتها وذلك كونه يتوجب على الفتاة العودة للمنزل في الساعة الثامنة مساء.
درست مريم الحاسوب في جامعة صنعاء، وتطمح للحصول على وظيفة في مجال تخصصها، تقول لموقع "يمن فريدم": " هذه ثالث مرة ترفض أمي عملي بسبب الدوام المتأخر على الرغم من تطميني لها بأن هناك فتيات أخريات بجانبي في العمل، تريد أمي أن أعمل كمعلمة في إحدى المدارس كي أعود للمنزل باكرا وأنا لا أريد أي عمل آخر غير في تخصصي".
ويرى البكاري أن رفض الأهل لعمل الفتاة يعود لسبب ما يسمى الاختلاط فقط، أما إذا كان مجال العمل نسوي فلا يمانعون، على الرغم من ذلك لا تمانع شريحة واسعة من اليمنيين عمل فتياتهم مولين للفتاه الثقة في الحفاظ على سمعتها.
لم يكن الاختلاط وحده ما يمنع عدد الأسر اليمنية اتاحة هامش الحرية لبناتها، فالاضطرابات التي تعيشها البلاد وغياب الدولة ضاعفا من مخاوف الأسر، تقول أم مريم لموقع "يمن فريدم":" الأوضاع هذه الأيام مقلقة، نخاف على الأولاد وعلى البنات، لا يوجد دولة، ولا أمان، لما يخرج واحد من أولادي استودعه الله، ولو تأخر ما يوصل إلا وقد أرتفع لي الضغط".
منظور عالمي لحق المرأة في العمل
رغم عدم إدراك المجتمع بأهمية وجود المرأة في سوق العمل إلا انها تشكل رافدا اقتصاديا مهما في دعم الاقتصاد العالمي بشكل عام، وفي الحالة اليمنية ما تزال المرأة تجابه بتلك القيود المجتمعية والمخاوف.
تصاعدت النقاشات والخطابات عن حق المرأة في العمل، وكان من أبرزها تلك هي التي تحدثت عنه المفوضية السامية لحقوق الانسان"ميشيل باشايه داخل قاعة الأمم المتحدة بشأن تحقيق نمو اقتصادي عبر تمكين المرأة، وكان ذلك في 27 أيلول/ سبتمبر 2018، واستندت لابحاث البنك الدولي وقالت " تشير الأبحاث إلى أن المرأة تقدّم مساهمة في إجمالي الناتج المحلي العالمي قد تصل إلى 28 تريليون دولار مع حلول العام 2025، في حال تمكنت من المشاركة الكاملة في الاقتصاد العالمي. ما يمثل زيادة بنسبة 26 % مقارنة مع سيناريو بقاء الأمور على حالها، وهي زيادة ملحوظة في عصر الأزمات الاقتصادية، وفي ظل الجهود التي نبذلها من أجل تنفيذ خطة العام 2030".
وأضافت أن 2.7 مليار امرأة في جميع أنحاء العالم محرومات بحكم القانون من الحصول على الوظائف نفسها التي يتمتع بها الرجل في 18 بلدًا.
مستقبل يلفه سطوة المجتمع
تكمن المشكلة الرئيسية في اليمن هي العادات والتقاليد التي تضع حواجز كثيرة تحول دون السماح للمرأة في الانخراط بسوق العمل، تحت مبررات المخاوف وتعرضهن للأذى، وتظل هذه الحقوق مرهونة بما يعتقد به المجتمع عامة والأسرة خاصة، يقابله تقاعس من السلطات والأجهزة التنفيذية التي بمقدورها سن قوانين اجبارية تضمن للمرأة الحق الكامل في ممارسة العمل بأي قطاع سواء بالقطاع العام أو الخاص، ويرافق ذلك قوانين أكثر صرامة توفر الحماية للنساء في بيئة العمل لتبدد مخاوف المجتمع من تعرضهن لأي أذى.