حازت تركيا على علاقات اقتصادية جيدة نسبياً مع مجموعة من الدول العربية. صحيح أن التطور لم يصل إلى مستوى العلاقات التركية-الأوروبية، لكن في عهد أردوغان بقيت دول عربية في صدارة اهتمامات أنقرة رغم التناقضات السياسية.
خلال 20 عاما من حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، أقامت تركيا علاقات اقتصادية متفاوتة مع الدول العربية، تقدمت أحياناً مع تطوّر التصدير التركي، وتراجعت أحياناً أخرى تحت تأثير أزمات سياسية خصوصاً مع دول كالإمارات ومصر.
حسب أرقام معهد الإحصاء التركي، تربع العراق على عرش الدول العربية المستقبلة للصادرات التركية عام 2019 بأكثر من 10,2 مليار دولار، ويظهر الفرق شاسعا بينه وبين الدولة التي تأتي في المركز الثاني، وهي الإمارات بحوالي 3.6 مليار دولار، ثم مصر بـ 3.5 مليار دولار، تليها السعودية بـ 3.2 مليار دولار.
والملاحظ أن الدول التي حلت بين المركزين الثاني والرابع لم تكن تجمعها علاقات جيدة مع تركيا في عام 2019، إذ كانت الخلافات قوية بينها.
ولم يبدأ أردوغان في تغيير سياسته بالبحث عن صلح مع عدد من خصومه العرب إلا في عام 2020، ولم تبدأ بوادر الأثر الفعلي لتغيير هذا التوجه إلا لاحقا في عامي 2021 و2022، حيث تغيرت الأرقام نحو نمو أكبر.
العراق.. الشريك الأول
بلغ التبادل التجاري بين تركيا والعراق حوالي 20 مليار دولار عام 2020 حسب ما ذكره السفير التركي السابق في بغداد فاتح يلدز.
وحسب المسؤولين الأتراك، العراق في المركز الرابع بين زبائن تركيا، بعد ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. تراجع نسبياً هذا التبادل إلى حوالي 15.2 مليار دولار عام 2022، لكنه حقق نموا سواء في الصادرات التركية، أو مثيلتها العراقية، ما يجعل تركيا لاعبا مهما للغاية في الاقتصاد العراقي.
عانت العلاقة بين البلدين من تأثيرات التهديدات الأمنية، خصوصا في الفترة التي سيطر فيها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على أجزاء من العراق.
ورغم عودة العلاقات للتطور، إلا أن أوضاع العراق، خصوصا بعد حراك عام 2019 والاحتقان الداخلي والأزمات السياسية المتكررة، خلقت عددا من العراقيل أمام تطور كبير للعلاقات.
زاد من ذلك رفض بغداد للوجود العسكري التركي في شمالي البلاد، وعدم إرسال أنقرة لأيّ إشارات لسحب جنودها وقواعدها، مصرة على أن الأمن هناك يخص كذلك أمنها القومي.
الإمارات.. شريك رغم الخلاف
لم يكن التوتر السياسي بين الإمارات وتركيا خبراً مجهولاً، إذ جمعت معارك كلامية الطرفين. لكن ذلك لم يؤثر بشكل كبير جدا على التبادل التجاري الذي بلغ عام 2021 حوالي 8.9 مليار دولار أمريكي. حسب الخارجية الإماراتية، فتركيا هي الشريك التجاري رقم 11 للإمارات، بينما تمثل الإمارات الشريك الـ 12 بالنسبة لتركيا.
ومن المتوقع أن تتطور العلاقات التجارية بين الطرفين بعد تحسن العلاقات السياسية في الآونة الأخيرة. وقد تحركت الاستثمارات الإماراتية بشكل قوي في تركيا خصوصاً مع إعلان أبو ظبي عن إنشاء صندوق استثماري في تركيا بقيمة 10 مليارات دولار، يركز على الاستثمارات في القطاعات اللوجستية كالطاقة والصحة والغذاء.
ويتبادل البلدان تجارة الأحجار الكريمة والمجوهرات والمواد النفطية وقطع الغيار.
مصر.. العداء لا يقطع التجارة
لم تتأثر علاقات دولة عربية مع تركيا كما تأثرت علاقات مصر معها، ووصلت حد قطع العلاقات الدبلوماسية بعد عزل الجيش المصري للرئيس الراحيل محمد مرسي عام 2013، واستضافة تركيا لعدد من المعارضين المصريين. لكن المثير أن قطع العلاقات لم ينتج عنه توقف لمعاهدة التجارة الحرة بين البلدين التي بدأت عام 2007.
وتظهر بيانات أممية نقلها مركز مالكوم كير-كارنيغي أن حجم التجارة نما بينهما في الفترة ما بين 2013 و2020 ثلاثة أضعاف، إذ بلغت 11.4 مليار دولار، كما احتلت تركيا المركز الثالث في قائمة زبائن مصر، فيما احتلت المركز الخامس في قائمة الدول المصدرة لمصر حسب المصدر ذاته.
وتستورد تركيا من مصر سلع الوقود والزيوت المعدنية ومنتجات تقطيرها، وكذلك اللدائن والمنتجات الكيماوية والأسمدة، فيما تصدر إليها الحديد والصلب والمنتجات الكهربائية والسيارات والآلات الثقيلة.
وحسب أرقام مصرية، فإن التبادل التجاري بين البلدين نما أكثر وبلغ عام 2022 حوالي 7.7 مليار دولار.
السعودية.. ركود ثم نمو
بلغ التبادل بين تركيا والسعودية 5.9 مليار دولار عام 2022 حسب أرقام هيئة الإحصاء السعودية، وذلك بنمو بلغ 32 في المئة. ووضع البلدان هدفاً بتنمية التبادل وإيصاله إلى 10 مليارات دولار في أقرب وقت.
وأعلن الصندوق السعودي للتنمية، عن توقيع اتفاقية لإيداع 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي التركي دعما لأنقرة في مواجهة تداعيات الزلزال.
لكن عكس العراق والإمارات ومصر، فالعلاقات الاقتصادية بين السعودية وتركيا شهدت ركوداً كبيراً بين عامي 2015 و2019، ولم يتجاوز هذا التبادل 3 مليارات دولار عام 2018، رغم أن العلاقات السياسية بين الجانبين، وإن كانت باردة، فهي لم تكن متدهورة بالشكل الذي وقع مع مصر والإمارات، وحتى أزمة اغتيال خاشقجي لم تؤثر كثيراً.
المغرب.. تعديل اتفاق التجارة الحرة
عكس الدول الأخرى في القائمة، بقيت العلاقات التركية-المغربية مستقرة سياسيا بشكل كبير خلال السنوات العشرين الماضية، وتوطدت أكثر عندما حدث تقارب بين الدولتين على عدة ملفات، من بينها شن المغرب حملات على مدارس يشتبه بارتباطها بالداعية التركي فتح الله غولن، وكذلك دعم تركيا لخطة الرباط في نزاعها مع جبهة البوليساريو.
لكن هذا الاستقرار السياسي لم ينعكس بشكل كبير على الجانب الاقتصادي، ولم يتجاوز التبادل حجم التجاري 2,3 مليار دولار عام 2019.
كما قام البلدان، بمبادرة مغربية، بتعديل بنود اتفاق التجارة الحرة، بما يتيح للمغرب فرض رسوم جمركية على عدد من السلع التركية، بعد تأكيد مغربي على تضرّر الرباط من الاتفاق إثر تفاقم عجز الميزان التجاري لصالح أنقرة، خصوصا في قطاع النسيج والألبسة.
لكن في الجانب السياحي، تعد تركيا وجهة مفضلة للمغاربة حيث يمكنهم زيارتها دون تأشيرة، كما تطورت الاستثمارات التركية في المغرب، حيث توجد علامات تجارية تركية في عدة قطاعات، توفر ما يصل إلى 8 آلاف وظيفة حسب وكالة الأناضول.
(DW عربية)