7 يوليو 2024
15 سبتمبر 2022
يمن فريدم-خاص

 

 

استبقت الدموع ما كان يرويه الصحفي وليد عبدالواسع المحرر السابق في صحيفة الأيام العدنية، حول محنته عندما اضطرته الظروف للعمل كنادل في مطعم يمني في العاصمة المصرية القاهرة، لقاء مائة جنية (يعادل 5 دولارات أمريكي) في اليوم الواحد.

 

وكان عبدالواسع يتحدث لبرنامج حكايتي الذي تبثه قناة "يمن شباب"، مشيرًا إلى أن متاعبه الصحية نالت منه لتحول دون أداء التزاماته الوظيفية في مهنته الجديدة التي تحتاج إلى قوة جسمانية لم يعد بوسعه مجاراتها خلال ساعات دوامه العشر.

 

ويُعاني عبدالواسع من التبعات الصحية، إذ كُسرت ساقه قبل أربعة أعوام جراء قفزه من الطابق الثالث محاولًا النجاة بعد أن أحرق مسلحون يرتدون بزات عسكرية مقر مؤسسة الشموع التي تطبع صحيفة "أخبار اليوم" بالعاصمة المؤقتة عدن، الذي كان يوجد به.

 

وعلى غرار عبدالواسع، يكابد الصحفيون اليمنيون على جبهات عدة في بلد أصبح مساحة مميتة في سبيل أي عمل صحفي، فبجانب أن صاروا هدفًا لأطراف النزاع، بات الوضع المعيشي همًا يوميًا يؤرق الكثير منهم خصوصًا ممن باتوا في الداخل اليمني.

 

مهنة الموت

 

وأجبرت الظروف التي أنتجتها الحرب المندلعة في البلاد منذ نهاية 2014 قطاعًا واسعًا من الصحفيين التوجه لأعمال جديدة لتوفير لقمة العيش؛ وغالبًا ما فشلوا فيها، أو اُضطر آخرون للاصطفاف مع أطراف الصراع في البلاد.

 

وبدأ الخناق يضيق مع خطاب زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي قبل اندلاع الحرب، حيث قال إن الصحفيين هم المنافقون، ومنذ ذلك الحين شنت الجماعة حملة ممنهجة ضد حرية الصحافة والصحفيين.

 

ويقول أحد الصحفيين المقيمين في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، لـ “يمن فريدم"، إن الوضع الجديد أجبره على ترك مهنة التصوير منذ ثلاثة أعوام بعد أن لاقى مضايقات كثيرة من الجماعة قد تقوده إلى السجن.

 

ويضيف الصحفي الذي "فضّل عدم الكشف عن هويته" لاعتبارات أمنية، أن المناخ في مناطق سيطرة الحوثيين يجبر الصحفي على أن يعمل مع الجماعة أو يترك العمل الصحفي، وما عدا ذلك فإن حياته تكون مهددة بالخطر وأقرب تهمة تتمثل في "التعاون مع العدوان" في إشارة لدول التحالف العربي بقيادة السعودية.

 

وخلال السنوات الأخيرة، عمدت جماعة الحوثي على اقتحام وايقاف 10 اذاعات خاصة بمحافظتي صنعاء وإب بقوة السلاح دون مسوغ قانوني، وتحطيم ونهب محتويات الإذاعات قبل أن يتم إيقاف بثها.

 

محنة المعتقلين

 

وتعد قضية الصحفيين المعتقلين لدى الحوثيين منذ منتصف 2015، والذين صدرت بحقهم أحكامًا بالإعدام، وهم عبدالخالق عمران، وحارث حميد، وعبدالله المنصوري، وأكرم الوليدي صورة قاتمة لوضع الصحافة في اليمن، فرغم المناشدات والمطالبات الدولية والمحلية بالإفراج عنهم، ترفض الجماعة ذلك.

 

وتدهور الوضع الصحي للصحفيين الأربعة خلال السنوات السبع، ومؤخرًا دخل المنصوري في وضع صحي حرج للغاية بعد تدهور حالته الصحية في سجن معسكر الأمن المركزي بصنعاء ويحتاج نقله للمستشفى للعلاج وهو ما ترفض جماعة الحوثي منذ أشهر.

 

ويقول عبدالله المنصوري، وهو شقيق الصحفي توفيق، لـ"يمن فريدم"، إن الأخير يعيش حالة صحية في غاية الصعوبة خاصة بعد أن نُقل إلى سجن معسكر الأمن المركزي سيء الصيت، وحُرم من الزيارة والتواصل مع الأسرة رغم المحاولات المتكررة، إلا أن الحوثيين واجهوا تلك التوسلات بالرفض القاطع.

 

وأضاف "حاولنا التواصل مع توفيق، ولكن رفض الحوثيون ذلك، وحاولنا أيضًا ادخال أدوية خاصة بالقلب والسكر، ولكن منُعنا من ذلك، توفيق أصيب بالسكر والقلب وتورم بالأطراف والتهابات بالبروستات جراء تعرضه للتعذيب".

 

تخاذل دولي

 

وبحسب المنصوري وهو أحد النشطاء في ملف الصحفيين المختطفين، فإن هناك استهداف ممنهج ضد الصحفيين المعتقلين من قبل المدعو "أبو شهاب المرتضى"، وهو شقيق رئيس لجنة الأسرى الحوثية عبدالقادر المرتضى، والذي هددهم في أكثر من مرة بالقتل وتنفيذ أحكام الإعدام بحق توفيق ورفاقه بالسجن، إضافة إلى حرمانهم من الرعاية الصحية والمياه الصالحة للشرب والتغذية التي وصفها بالغير صالحة للأكل.

 

وبحسب عبدالله فقد تدهورت حالة توفيق خلال الشهرين الماضيين، ومُنع من تلقي العلاج في مستشفيات صنعاء رغم المناشدات والتوسلات واتواصل مع أكثر من جهة، بل تم نقله إلى زنزانة انفرادية يطلق عليها اسم "الضغّاطة" وهي مصممة بعناية حسب وصف عبدالله ومخصصة لترهيب وتعذيب الصحفيين المعتقلين.

 

ومطلع أغسطس الماضي، أدانت منظمة مراسلون بلا حدود (غير حكومية مقرها باريس)، في بيان، المعاملة القاسية التي يتعرض لها الصحفيون الأربعة، وطالبت بالإفراج الفوري عنهم من أجل السماح لهم بتلقي العلاج الطبي.

 

لكن عبدالله ألقى باللوم على المنظمات المحلية والدولية وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، واتهم هذه المنظمات والجهات الدولية بالتواطؤ مع الحوثيين في ارتكاب الجرائم والانتهاكات بحق الصحفيين في ظل الصمت المستمر دون الحديث عما يتعرض له الصحفيين في سجون الحوثيين.

 

انتهاكات لا تتوقف

 

ووفق أحدث تقرير لمرصد الحريات الإعلامية في اليمن، وهو مؤسسة تُعنى برصد الانتهاكات ضد الصحافة، فإن 56 انتهاكًا جرى توثيقها خلال النصف الاول من العام 2022 الجاري تنوعت بين القتل والإصابة واعتقال والاعتداء واستهداف مؤسسات إعلامية.

 

وكان أبرز الانتهاكات مقتل الصحفيان فواز الوافي وصابر الحيدري بطريقة بشعة.

 

وأكد المرصد أن جميع الأطراف المسيطرة في اليمن مارست أنواع مختلفة من الانتهاكات الموثقة للحريات الصحفية بهدف التضييق على حريات الراي والتعبير وبدرجات متفاوتة حيث ينظر كل طرف للصحفيين والمدافعين عن حرية الرأي والتعبير من منظوره الخاص.

 

وكان آخر هذه الانتهاكات ما تعرض له الصحفي أحمد ماهر في مدينة عدن، جنوب اليمن، بعدما اعتقلته قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في 6 أغسطس/آب الماضي، ليظهر بعدها في 4 سبتمبر الجاري، في فيديو مسجل وانتزع منه المحققين اعترافات بالإكراه وتحت التعذيب، وهو ما ادانته نقابة الصحفيين واعتبرته أسلوب قمعي شمولي وقسري.

 

النقابة طالب اجراء تحقيق بحادثة الانتهاك ومحاسبة المتورطين فيها، داعية السلطات لحماية الصحفيين والكف عن إرهابهم ومحاولة تكميم الأفواه. 

 

وكانت منظمة "مراسلون بلا حدود"، أعلنت أن اليمن تصدر المرتبة الثالثة كثالث أخطر بلد في العالم للصحافيين خلال العام الماضي.

 

ووفق نقابة الصحفيين اليمنيين فإن 49 صحفيًا ومصورًا وعاملًا في وسائل الإعلام قُتلوا منذ بداية الحرب وحتى اليوم.

 

آمال معلقة

 

ويظل العمل الصحفي في اليمن واحدة من الأعمال التي تعرض صاحبها للخطر، سواء بالاعتقال أو الملاحقة او التهديد ويصل الأمر الى الموت، ووسط هذه التحديات والمخاطر تغيب آليات الحماية المحلية والدولية لحماية الصحفيين في اليمن الذين يتعرض لشتى صنوف الانتهاكات أمام مرأى ومسمع من العالم، ومع هذا التراجع في غياب الحماية فإن الانتهاكات مستمرة دون توقف، وهو ما يجعل اليمن في القوائم الأولى القوائم التي تصنف البلدان من حيث الخطورة في بيئة العمل الصحفي.

 

يأمل الصحفيون في اليمن أن تتوقف آلة القمع بحقهم، وأن تكف كافة الأطراف عن ممارسة هذه الانتهاكات التي أصبحت تؤرقهم، وهم يمارسون حقهم في تغطية الاحداث والتطورات التي يشهدها اليمن منذ سبع سنوات.

 

كما أن المطالبات بالإفراج عن كل الصحفيين في السجون أصبح ذلك من أهم القضايا المهمة بالنسبة لهم، وهي آمال ما تزال معلقة في ظل استمرار احتجازهم وترهيبهم وتعذيبهم جسديا ونفسيا، وهو ما ينعكس سلبا على واقع الصحافة اليمنية بشكل عام، ويجعل منها صورة قاتمة في بلد غارق بمستنقع من الأزمات على كافة المستويات.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI