في حي "القبة" الشعبي في الضاحية الوسطى للعاصمة الجزائر، رافقت "العربي الجديد" العامل جمال الدين معزوز بعد سحبه الراتب الشهري، في رحلة تسديد ديونه للتجار.
جولة العامل جمال الدين بدأت بمحل بيع المواد الغذائية الذي بدأ صاحبه في تقليب صفحات "دفتر الديون"، ليجد أمام اسم العامل رقم "6000 دينار" (44.4 دولاراً).
الوجهة الثانية مكتبة الحي التجارية، التي كانت ملاذ العامل الذي يتقاضى 34 ألف دينار جزائري شهريا (251 دولاراً)، لاقتناء أدوات أبنائه الثلاثة المدرسية، فكان الدين المترتب على جمال الدين حسب "دفتر الديون" 8500 دينار جزائري، ليبلغ مجموع ما سدده قرابة نصف الراتب، وبقي دين بائع الخضر والفواكه الذي لا يتعدى 3000 دينار، في مشهد بات يتكرر كل شهر مع الملايين من الجزائريين ذوي الدخل الضعيف والمتوسط، والذين بات دفتر الدين لدى التجار ملاذهم لإنهاء شهر مثقل بالمصاريف أنهكت جيوبهم المكتوية بغلاء المعيشة.
يقول جمال الدين إن "كل شهر يمر وكأنه سنة، ننتظر الراتب الضعيف ليخفف الدين عنا، ففي الأشهر الأخيرة أصبحت أسير دين تاجر المواد الغذائية وبائع الخضر وحتى الصيدلي، وإلا سأموت وعائلتي من الجوع".
ويضيف لـ"العربي الجديد" أنه "كباقي الزوالية (الطبقة الوسطى باللهجة الجزائرية)، بات لا يجد ما يكمل به شهره بعد اليوم السابع أوالعاشر كأقصى حد، "بعد سحب الراتب، تجد ديون الشهر المنصرم تنتظرك، فمثلا، لا يزال دين أضحية عيد الأضحى يتبعني هذا الشهر، المعيشة أصبحت غالية ودفترالكريدي (الديون) هو من يسترنا".
وعاود الدينار الجزائري تسجيل الأرقام غير المسبوقة أمام العملات الأجنبية، منذرا بإنهاء سنة 2023 عند مستويات كانت بالأمس القريب من المستحيلات، مهددا بانهيار سريع للقدرة الشرائية للجزائريين. وسجل الدولار في التعاملات الرسمية 134.9 دينارا، في آخر تهاوٍ للعملة الجزائرية أمام العملة الخضراء.
ويُرتقب أن يتخطى الدينار الجزائري عتبة 140 دينارا للدولار الواحد قبل نهاية السنة، رغم الخطاب الرسمي المطمئن للجزائريين بعودة العافية للعملة التي تعيش أسوأ أيامها. وانعكست هذه التراجعات في أسعار الدينار سلباً على أوضاع المواطنين المعيشية، حيث شهدت أسعار العديد من المواد الاستهلاكية، وخاصة الغذائية منها، ارتفاعات كبيرة.
يقول التاجر جمال الدين، صاحب "سوبرماركت" في حي "أولاد فايت" غربي الجزائر العاصمة، إنه "لاحظ شيئا مخيفا في الأشهر الأخيرة، بالموازاة مع ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية من غذائية ومواد النظافة وغيرها، وهي تغير سلوك الجزائريين الاستهلاكي، فالأسر تخلت عن مواد كانت في الأمس القريب من الأساسيات، أما الملاحظة الثانية فهي لجوء الكثير من زبائنه للدين إلى حين سحب الراتب، عبر دفتر "الكريدي" الذي بات يمتلئ بطريقة سريعة، وجل زبائنه يلجؤون إليه في فترات مختلفة من الشهر، كل حسب راتبه".
وإن لم يخف التاجر في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه لا يفضل العمل بدفتر الديون، إلا أن ظروف الحياة ومعرفته بواقع أبناء حيه يجعله يدوس على "قلبه"، لأن "الدفتر يكسر كرامة الزبون أحيانا".
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي والمستشار المالي عبد الهادي قدوري، لـ"العربي الجديد"، إن "الدينار تراجع بنحو 36 في المائة مقارنة بـ2020، وبعملية حسابية بسيطة، نضيف حجم التراجع أو(التعويم) حتى نكون أكثر دقة، لحجم التضخم البالغ 4 في المائة حسب أرقام الحكومة المشكوك فيها، نجد أن معدل الأسعار ارتفع بواقع 40 في المائة، أي بطريقة أخرى، رواتب العمال تراجعت بالنسبة ذاتها".
وأعاد تدهور القدرة الشرائية للمواطن الجزائري بعث المطالب التي رفعتها نقابات العمال منذ 2015، في مقدمتها حماية القدرة الشرائية برفع الرواتب وكبح تعويم الدينار، ومراجعة سياسة الدعم، حتى يستفيد منه من هو بحاجة له أكثر.
وفي السياق، يقول صادق دزيري، رئيس نقابة عمال التربية والتكوين (عضو في كونفيدرالية النقابات المستقلة) إنه "صدم بأن معلمين باتوا يتدينون من التجار لإكمال أيام الشهر نظرا لغلاء المعيشة، بالرغم من مكانة المعلم في المجتمع الجزائري، هذا مؤسف، ليس من باب التمييز بين العمال الجزائريين، بل لأننا كنقابات حذرنا منذ سنوات من وقوف نصف الجزائريين على أعتاب الفقر بسبب انهيار قدراتهم الشرائية".
ويضيف: "عندما يتجه مواطن لشراء ما يحتاج إليه ويطلب من التاجر تسجيل ذلك في (دفتر الدين)، هذا يعني أن هذا المواطن ليس من الطبقة الميسورة أو الوسطى، بل أقرب إلى الفقر".
ويتابع النقابي في حديث مع "العربي الجديد" أن "تكتل النقابات المستقلة الناشطة في مختلف القطاعات ثمنت الزيادات التي أقرها الرئيس عبد المجيد تبون مؤخرا، إلا أنها تبقى ضئيلة بل منعدمة التأثير على القدرة الشرائية للمواطن، سندرس وضعية العمال المعيشية، الأكيد سنستمر في الضغط على الحكومة إلى غاية إنقاذ جيوب الجزائريين".
(العربي الجديد)