منذ صغرها كانت الطالبة أبهاء باعويضان تميل إلى العمل المجتمعي والمبادرات الطوعية في مدارس مدينة المكلا في مركز محافظة حضرموت (جنوب شرقي) اليمن، وبعد إكمالها الدراسة الثانوية انتقلت إلى العاصمة اليمنية صنعاء لدراسة الطب، وهناك تفتحت مداركها على آفاق وبيئة جديدة للعمل المجتمعي بصورة أوسع، مما زرع في نفسها الأمل في العودة إلى المكلا لبدء حياة جديدة من العمل الطوعي لخدمة المجتمع.
الحلم يتحقق
وبالفعل لم تتأخر عند عودتها إلى المكلا في 2013 في تحقيق حلمها بتأسيس مبادرة خيرية تمثلت في مؤسسة "الأمل الثقافية الاجتماعية النسوية"، وعلى رغم أنها وجدت حرية ومكانة العمل المجتمعي في أوساط نساء حضرموت أقل بكثير من صنعاء، إلا أنها مضت في ضرورة إيجاد حراك نسوي فاعل في محافظتها.
وعن تلك الانطلاقة تقول أبهاء باعويضان لـ"اندبندنت عربية"، "بدأت المؤسسة بالعمل في وقت كان دور المرأة في المبادرات المجتمعية ضعيفاً، فعملنا على إيجاد بيئة آمنة للنساء لتشجيعهن على الدخول في الأعمال التطوعية، مما دفع كثيراً من الفتيات إلى المشاركة التطوعية، حتى ارتفعت أعدادهن بصورة تدريجية إلى 350 متطوعة توزعن على فرق تطوعية منتشرة في مديريات ساحل ووادي حضرموت ومحافظات المهرة وعدن وأبين وشبوة".
اتجهت "مؤسسة الأمل" إلى تمكين النساء في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، وركزت على صناعة القادة وتدريب الصف الثاني من النساء ليكنّ قيادات صف أول، وبرزت كثيرات من اللواتي بدأن كمتطوعات في المؤسسة، وأصبحن من القيادات في المجتمع، وشغلن مناصب إدارية وقيادية كمستشارات قانونيات ومديرات إدارات عامة وغرف تجارية، وكذلك سيدات أعمال ومديرات لمستشفيات ومؤسسات صحية ومنظمات مجتمع مدني، وانتهجت المؤسسة التركيز على بناء القدرات في الجوانب الإدارية والسياسية وحل النزاعات والقيادات التشاركية، وفقاً لباعويضان.
عراقيل ومضايقات
على رغم النجاحات التي حققتها، تتحدث باعويضان بمرارة عن التحديات والمضايقات التي تواجهها المرأة في حضرموت، مشيرة إلى "تشويه السمعة وحملات الهجوم التي تستهدف القيادات النسوية من عناصر مجهولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأحياناً من شخصيات معروفة"، وأكدت أن ما تعرضت له هو مثال على ما تعانيه كثيرات من المدافعات عن حقوق الإنسان، إذ تم رصد انتهاكات عدة ضدهن.
وتابعت المتحدثة "نعاني الإقصاء في مواقع صنع القرار للنساء المؤهلات ذات الكفاءة، وتتعمد السلطات في المحافظة اللجوء إلى من هنّ أقل خبرة على حساب الكفاءات والخبرات المؤهلة، بل وضع معوقات أمام الناشطات المجتمعيات في المحافظة مثل إيقاف الموازنات عن بعض الإدارات التي تقودها نساء، واستخدام الضغوط في العمل بهدف إفشال المرأة ودفعها إلى تقديم الاستقالة، مما جعل عدداً من القيادات النسوية الحضرمية يبتعد من العمل في المجال الحكومي والاكتفاء بالعمل المجتمعي المستقل".وأضافت باعويضان أن "من العراقيل أيضاً عدم اهتمام هرم السلطة بأهمية دور المرأة وضرورة إشراكها في التخطيط لجميع الأنشطة والفعاليات المحلية، بخاصة تلك المتعلقة بالنوع الاجتماعي".
استبعاد النساء
ما تشكو منه باعويضان ليس جديداً في حضرموت، فكثيراً ما تعالت احتجاجات نساء المحافظة من عملية تغييبهن وإقصائهن من السلطة والتمكين السياسي، وفي أحدث تلك الاحتجاجات رفضت المنظمات النسوية قرار رئيس المجلس الرئاسي اليمني رشاد العليمي الذي أصدره لدى زيارته للمحافظة في أغسطس/ آب الماضي بتشكيل لجنة حكومية لمعالجة مطالب المحافظة من دون تمثيل للمرأة في تلك اللجنة.
وفي هذا الصدد طالبت رئيسة اللجنة الوطنية للمرأة شفيقة سعيد بضرورة تمثيل نساء المحافظة في اللجنة، معبرة عن "أسف المكونات النسوية من القرار الذي أصابها بخيبة أمل، وهي تتابع تشكيل اللجنة للنظر في مطالب أبناء حضرموت الخالية من أي تمثيل للمرأة الحضرمية".
وأضافت سعيد أن "هناك تغييباً للمرأة الحضرمية من أهم اللجان الوطنية المعنية برفع مطالب أبناء المحافظة إلى مجلس القيادة الرئاسي وهي مطالب لا تخص الرجل وحده، بل أبناء حضرموت برجالها ونسائها وشبابها، كما أنه من موقع المسؤولية الوطنية للجنة الوطنية للمرأة الداعمة لحقوق المرأة ولنضالات الشعب الوطنية لاستعادة الدولة وبناء مؤسساتها وتحقيق الأمن والاستقرار والسلام، فإنها تتطلع لمشاركة النساء السياسية، لا سيما إدراك مجلس القيادة الرئاسي امتلاك حضرموت قيادات نسوية قادرة على القيام بدورها الوطني في المجالات كافة".
للنساء إرادة قوية
وتؤكد مديرة إذاعة المكلا سابقاً دعاء باوزير أن المرأة الحضرمية نجحت بحكمتها وإرادتها القوية في قيادة عدد من المؤسسات الحكومية والمجتمعية، فكان لها أثر طيب وبصمة إيجابية في تلك المؤسسات التي قادتها وعملت على تطويرها وتحسينها وإبراز أنشطتها، وأدت دوراً قيادياً وريادياً بارزاً جعل منها محط أنظار الساسة وأصحاب القرار ورجال المال والأعمال لقدرتها على قيادة وإدارة المشاريع الكبيرة والبرامج النوعية.
وتأسف باوزير لاستبعاد المرأة الحضرمية من المناصب السيادية والوزارية والرئاسية، وتعدّ ذلك أمراً مجحفاً يجب إعادة النظر فيه من صناع القرار، حتى يتسنى للمرأة الحضرمية ممارسة دورها كقائدة مشاركة في سياسات الدولة والرقي بها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وفقاً لخطط واتفاقات مدروسة واستراتيجيات ممنهجة تسعى من خلالها إلى التطوير والتنمية والبناء.
وعن الدور الذي يمكن أن تضيفه المرأة الحضرمية إلى اللجنة الخاصة بمعالجة أوضاع حضرموت، تقول باوزير "إذا عدنا إلى تاريخ نضال المرأة الحضرمية ودورها في معالجة القضايا، سنجد أنها كانت تحتل مكانة استشارية مهمة في صنع القرار وإصدار الأحكام، واليوم نرى أن بعض المؤسسات تسعى إلى الاستفادة من قوة تأثير المرأة الحضرمية في حل النزاعات والخلافات، لذا، فإن وجودها في اللجنة سيسهم بصورة كبيرة في حل كثير من الإشكاليات وتحسين الأوضاع في المحافظة، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا المرأة".
وتقرّ باوزير بقيادة وإدارة المرأة الحضرمية بعض إدارات المكاتب التنفيذية في المحافظة والمديريات ولو بنسبة ضئيلة، لكنها سرعان ما استدركت بالقول "في صنع القرار والمراكز القيادية السيادية عانت المرأة الحضرمية التهميش والإقصاء، ولن ينكر ذلك إلا جاحد، ونأمل في إعطائها مزيداً من الإدارات السيادية لتثبت جدارتها بصورة أكبر وأوضح في التنمية والبناء وتصحيح المسار".
وحول مظالم ومشكلات المرأة في حضرموت تشرح أن "معاناة المرأة جزء من معاناة المجتمع الحضرمي بأسره، وليست بمنأى عنه، فما المرأة والرجل إلا وجهان لعملة واحدة وهو الإنسان، وتشكل قضايا المرأة هنا محوراً استراتيجياً وحقوقياً متعدد الاهتمامات والطروحات، إذ ينظر إليها بعين التوجس والأيديولوجيات التي تعتمدها مجتمعات كثيرة لتعكس سلوك الناس في جوانب الحياة المختلفة، ولذا تعاني مثل غيرها أنواع الظلم الاجتماعي والاقتصادي، وهذا واقع على كاهلها وكاهل الرجل أيضاً"، لافتة إلى معاناة النساء "التهميش والاستغلال، وتراكم الجرائم الفردية والمجتمعية عليهن، ويتعرضن للعنف والنظرة الدونية في الأسرة أو المجتمع مع أن الإسلام كرمها ورفع من قدرها وشأنها، بل أصبحت مهمة حتى في تعليم الرجال وصنع القرارات والاستشارات".
وتثمن باوزير في ختام حديثها "دور الناشطات الحضرميات في مقاومة العنف ضد النساء، وإسهامهن في تنمية المجتمع والبناء ومحاربة الأمية والبطالة، ومشاركتهن القيادية النسبية من خلال المؤسسات الحكومية والأحزاب والاتحادات والمؤتمرات، فهي قيادية ومتعلمة ومتفهمة، ولكن الصعوبات تكمن في التمييز والاستغلال والعنف".
رد السلطات المحلية
تواصلت "اندبندنت عربية" مع السلطة المحلية في حضرموت، حيث أكد مستشار المحافظ لشؤون الإعلام والنشر خالد القحوم أن المحافظ مبخوت بن ماضي يولي اهتماماً كبيراً بدور المرأة الفاعل في المجتمع من خلال مشاركتها في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإدارية.
وأشار إلى عدد من القرارات التي أصدرها المحافظ والتي تضمنت تعيين عدد من الكوادر النسوية في مناصب إدارية بارزة في المحافظة، منها مدير عام مكتب الثقافة وفي إذاعة المكلا، وكذلك مدير حماية البيئة وصندوق الشباب،إضافة إلى تولي إدارة البحوث الإدارية في ديوان المحافظة.
وعبر المستشار الإعلامي عن تقدير السلطة المحلية الكامل لدور النساء في المجتمع، لافتاً إلى دعم قيادة المحافظة لكل الناشطات في المجتمع المدني ومبادراتهن المجتمعية.
(اندبندنت عربية)