يعيد خبر إفراج ميليشيا الحوثي يوم أمس عن ستة من عناصر تنظيم "القاعدة"، كانوا محتجزين منذ أعوام الحديث عن سر العلاقة بين التنظيمين المسلحين والأهداف التي تقف خلف الإفراجات التي تكررت في ظل وضع ملتهب وشائك يعيشه اليمن.
وفيما اعتبر مراقبون الخطوة تجديداً على مستوى التنسيق والتخادم العالي بين الطرفين، يبرز السؤال عن سر التقاء فصيلين يشكلان طرفي نقيض بين جماعتين أصوليتين يفترض بهما العداء وفق الخلفيات الأيديولوجية التي ينطلقان منها.
ذكرت مصادر متطابقة أن من بين المُفرج عنهم قيادات رفيعة مصنفة في سجلات السجون اليمنية بـ"الخطرة" سبق أن اعتقلتهم القوات الحكومية قبل الانقلاب الحوثي عام 2014، من بينهم أبو مصعب الرداعي وأبو محسن العولقي، إلى جانب ثلاثة عناصر آخرين ينتمون للقيادي حمزة المشدلي، الذي قُتل في محافظة مأرب العام الماضي.
وعلى مدى الأعوام الأخيرة تواترت أنباء إطلاق الجماعة الحوثية عشرات من العناصر المدرجين في سجلات تنظيم "القاعدة" المصنف على قوائم الإرهاب العالمي، الذي كثيراً ما اعتبرته الحكومة يندرج في إطار حال التخادم الخفي بين الطرفين خدمة لأجندتهما المسلحة.
سبق أن كشف تقرير سري صادر عن لجنة العقوبات التابع للأمم المتحدة عن وجود علاقة بين جماعة الحوثي وتنظيم "القاعدة" في جزيرة العرب، وقال تقرير الخبراء المقدم نهاية العام الماضي إن الطرفين "اتفقا على وقف الصراع الداخلي وعلى نقل الأسلحة وتنسيق الهجمات على قوات حكومة اليمن"، وأضاف "إضافة إلى ذلك تسنى رصد زيادة أنشطة التهريب، بما في ذلك الأسلحة الصغيرة والخفيفة، بين الحوثيين و(حركة) الشباب (الصومالية المتشددة)، مع وجود إشارات على وجود إمدادات عسكرية مشتركة أو مورد مشترك".
علاقة النقيضين
يقول المستشار في الرئاسة اليمنية، ثابت الأحمدي، إن ثمة حقيقة تاريخية سياسية يجب أن نعيها ونحن نتكلم عن العلاقة بين النقيضين: الشيعة و"القاعدة"، أو إيران و"القاعدة".
وأوضح "هذه الحقيقة هي أن الإرهاب يتخادم بعضه مع بعض، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى حد أنه لا غنى لطرف عن الطرف الآخر أحياناً"، ويضيف الأحمدي "أن إيران لديها فصيل قاعدي خاص بها من وقت مبكر، سهلت لهم الوصول إلى أراضيها من باكستان وأفغانستان والبقاء في بعض مدنها ورعاية شبكات تحويلاتهم المالية، وقد يعجب القارئ أكثر حين يعرف أن اثنين من أولاد أسامة بن لادن نفسه، يقيمان في إيران".
وفي ما يتعلق بالحوثي و"القاعدة" في اليمن "يأتي في هذا السياق، عناصر كثيرة من تنظيم ’القاعدة‘ تتنقل بصورة طبيعية بين العاصمة صنعاء وبعض المدن اليمنية الأخرى الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، ويمارسون أنشطتهم الطبيعية، كل الذي تغير فقط أنهم نقلوا مقرهم من حارة ’مسيك‘ شرق صنعاء إلى منطقة ’السنينة‘ شمالها، لا أكثر، وثمة تقارير رسمية تحدثت عن هذه العلاقة".
إضافة إلى هذا "فالصراع الذي جرى داخل تنظيم ’القاعدة‘ نفسه عقب مقتل خالد باطرفي، وانتخاب سعد العولقي، الأمير الجديد، قد كشف جزءاً من هذه العلاقة، وهو خلاف معروف للمتابعين والمهتمين".
وفي فبراير/ شباط 2023 أقرت الجماعة الحوثية بإطلاق سراح عناصر تابعة لتنظيم "القاعدة"، غداة إعلان رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي أمام قمة ميونيخ للأمن، امتلاك حكومته أدلة عن تخادم الميليشيا مع التنظيمات الإرهابية.
وأكد رئيس ما تسمى لجنة الأسرى في ميليشيا الحوثي عبدالقادر المرتضى في تغريدة على حسابه في موقع "إكس" أن جماعته أجرت "عملية تبادل للأسرى" مع تنظيم "القاعدة" في شبوة.
وقال إنه إثر هذه العملية أُفرج عن ثلاثة من عناصر الحوثيين في مقابل "أسيرين أُسرا في جبهات البيضاء"، على حد قوله.
وتأتي تصريحات المرتضى بعد يوم من إعلان "أنصار الشريعة" الجناح المحلي لتنظيم القاعدة في اليمن، عن إتمامه عملية تبادل أسرى مع الحوثيين استرد خلالها اثنين من عناصره، وفق ما نقل موقع "سايت إنتلجينس غروب".
تسلل من شروخ الشرعية
وبين حين وآخر تبرز أنشطة تنظيمي "القاعدة" و"داعش" في عدد من مناطق اليمن استغلالاً لحال الشتات التي تعانيها الأجهزة الأمنية الحكومية بفعل استمرار الصراع مع الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران ضد الحكومة الشرعية.
ونهاية عام 2023 نشرت قوات دفاع شبوة الموالية للحكومة الشرعية مقاطع فيديو تضمنت اعترافات لعناصر من تنظيم "القاعدة" اعتُقلوا بعد محاولتي نهب دورية عسكرية، وتضمن الفيديو اعترافات تدعي "التخادم بين التنظيم والحوثيين".
ومن بين ما كشفت عنه التسجيلات "اعترافات القيادات الميدانية" حول كيفية تنفيذ عدد من عمليات الاغتيالات التي طاولت قيادات عسكرية وجنوداً ومواقع نفطية واقتصادية في محافظة شبوة الإستراتيجية، كذلك تحدثت عن "مصادر التمويل المالي والعبوات الناسفة والطائرات المسيرة" التي قالت إنها تأتيها من "محافظات مأرب وصنعاء والبيضاء" عبر شخصيات تحمل أسماء غير معروفة.
وعلى مدى الأعوام الماضية شن التنظيم على نحو متقطع هجمات مسلحة في كل من شبوة ومحافظتي حضرموت وأبين المتجاورتين، وهي مناطق تابعة لسيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، راح ضحيتها عشرات الجنود والقادة العسكريين.
البعد المكاني في نشاط "القاعدة"
تكشف هذه التطورات، وفقاً لمراقبين، حال الصراع العميق بين القوى اليمنية واتخاذ التحالفات المحظورة وسيلة للتكسب السياسي، وإزاء ذلك كثيراً ما حذرت الحكومة الشرعية مما وصفته "التنسيق بين الحوثيين والقاعدة".
وخلال مايو/ أيار 2023 اتهمت "الشرعية" التنظيم الإرهابي المحظور على لسان وزير الخارجية حينها (رئيس الوزراء الحالي) أحمد عوض بن مبارك بالتخادم مع الحوثي، وادعت "الشرعية" امتلاكها أدلة أمنية تؤكد استخدام الحوثيين التنظيم ضد مناهضي مشروعهم، "مثل توفير ملاذ آمن لتحركاتهم في محافظة البيضاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وإطلاق عناصر التنظيم من سجون الاستخبارات في صنعاء بعد الاتفاق على تنفيذ عمليات تستهدف ’الشرعية‘، حين جرى اغتيال قادة عسكريين وسياسيين وإعلاميين مناهضين للمشروع الإيراني في اليمن".
وتساءل بن مبارك يومها "لماذا تحدث جميع الأعمال الإرهابية في المناطق المحررة فقط، لا في المناطق الخاضعة للانقلاب الحوثي المدعوم من النظام الإيراني؟".
مئات الغارات والنتيجة واحدة
من ناحية أخرى، أحصى موقع إخباري يمني عدد الغارات التي شنها الجيش الأميركي منذ بدء العمليات منتصف مارس/ آذار الماضي بأكثر من 300 غارة جوية على مواقع ميليشيات الحوثيين.
واستناداً لما يعلنه إعلام الحوثيين رصدت منصة "يمن فيوتشر" الموالية للحكومة الشرعية، نحو 333 غارة جوية للطيران الأميركي في غضون 19 يوماً طاولت أهدافاً عسكرية متنوعة في مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية المضنفة على لوائح الإرهاب.
من جانبهم، لم ينفك الحوثيون الإعلان شبه اليومي عن استهدافهم حاملة الطائرات الأمريكية "يو أس أس ترومان" نحو 16 مرة، وذلك رداً على الضربات الأمريكية التي طاولتهم منذ ليل السبت الـ15 من مارس الماضي، إلا أن القيادة الأمريكية المركزية لم تشر إلى إصابتها أو وقوع أية أضرار على متنها، بل راحت الأخيرة تنشر مقاطع فيديو جديدة ليلة أمس السبت تظهر إقلاع عدد من المقاتلات الأمريكية من على المزلق الجوي الذي يتوسط ظهر الوحش البحري العملاق، وهو ما وضع الحوثيين وناطقهم يحيى سريع في موقف محرج جديد خصوصاً أمام أتباعهم الذين يوهمونهم باستهداف القطع البحرية العملاقة بين حين وآخر.
ويؤكد مراقبون أن الحوثيين ينتهجون هذه الدعاية للزج بالمغرر بهم في عملياتهم البحرية خدمة للمشروع الإيراني في البلاد واستمرار كسب ولائهم.
وسميت الناقلة باسم الرئيس الأمريكي الـ33 هاري ترومان بعدما استغرق بناؤها نحو خمسة أعوام ودخلت الخدمة رسمياً عام 1998 بقدرة حمولة تصل إلى 85 طائرة، فيما يصل الوزن الإجمال للسفينة نحو 97 ألف طن، وتقطع أكثر من 34.5 ميل في الساعة. ويديرها طاقم يتكون من نحو 3200 فرد في السفينة منهم 2480 فرداً في الجناح الجوي.
وشاركت في كثير من الحروب البارزة منذ دخولها الخدمة، منها حرب كوسوفو عام 1999، وحروب أفغانستان والعراق، إضافة إلى الحملة العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.
وحالياً تتخذ "يو أس أس هاري ترومان" من البحر الأحمر موقعاً لها في إطار الحملة العسكرية الأمريكية الهادفة إلى "ردع القوة العسكرية الحوثية في المنطقة".
(اندبندنت عربية)