تمر الصحافة اليمنية منذ عشر سنوات من الحرب بأوضاع في غاية التعقيد والخطورة، جراء موجات العنف المتلاحقة التي طالت الصحافيين والمؤسسات الصحفية بكل توجهاتها.
هذا المشهد النازف يبعث حالة من التشاؤم والصورة للعمل الصحفي في البلاد، مع استمرار المخاطر التي يواجهها الصحافيون خلال مسيرتهم الصحفية.
في الـ 3 من مايو من كل عام يحتفل الصحافيون حول العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، إلا أن ملامح هذا الاحتفال في اليمن يكاد يكون معدوما، فلا مؤشرات عن تحسن الحريات الصحافية في البلاد، فالمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين لم يعد هناك هامشا من الحريات الصحفية، بل هناك صحافة واحدة تخدم الجماعة، وهناك آلة قمع مميتة تستهدف أي صحفي يخالف الحوثيين، في المقابل تظل المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولية بيئة خطرة أيضا على الصحفيين.
تقرير جديد
تقرير جديد أصدرته نقابة الصحفيين اليمنيين، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، خلال مؤتمر صحفي عقدته في مدينة تعز، اليوم السبت، ويتحدث التقرير عن وضع الحريات الصحافية في اليمن خلال عشر سنوات من الحرب، ووثقت النقابة، 2014 حالة انتهاك طالت الحريات الإعلامية منذ بداية الحرب في 2015، وحتى مطلع شهر إبريل الفائت.
التقرير الذي أعدته النقابة والاتحاد الدولي للصحفيين، أتخذ منهجية مهنية واضحة بهدف اتضاح الصورة بشكل جلي من خلال تحليل الانتهاكات التي تعرض لها الصحافيين خلال سنوات الحرب، كما اعتمد على رؤية فنية من الواقع المعاش للصحافيين ووسائل الإعلام من خلال استبيان شارك فيه (213) من الصحفيين اليمنيين في الداخل اليمني ودول الشتات خارج البلد ورصد التقرير، خلال العشر السنوات، (2014) حالة انتهاك طالت الحريات الإعلامية، واعتبرت النقابة "هذا الرقم الكبير" بأنه يكشف عن أكبر عملية تجريف لم تشهدها الصحافة منذ تحقيق الوحدة في العام 1990.
احصائيات وأرقام قاتمة
وبحسب التقرير، فقد تنوعت الانتهاكات بين (482) احتجاز حرية (اختطاف، اعتقال، احتجاز، ملاحقة) بنسبة 23.9% من اجمالي الانتهاكات، و(244) اعتداء على صحفيين وممتلكاتهم، ووسائل إعلام وممتلكاتها بنسبة 12.1%، و(223) حالة تهديد وحملات تحريض على صحفيين وصحافيات بنسبة 11.1%، و(212) حالة حجب لمواقع الكترونية بنسبة 10.5%، و(175) حالة محاكمات واستجوابات بنسبة 8.7%.
التقرير رصد (125) حالة إيقاف رواتب ومستحقات صحفيين طالت مئات الصحفيين بنسبة 6.2%، و(74) حالة تعذيب طالت صحفيين في المعتقلات بنسبة 3.7%، و(72) حالة منع من التغطية لعشرات الصحفيين بنسبة 3.6%، كما وثقت النقابة (55) حالة شروع بالقتل بنسبة 2.7%، (165) حالة إيقاف وسائل إعلام بنسبة 8.7%. كما وثّق (46) حالة قتل طالت صحفيين وصحفيات، و(41) حالة فصل تعسفي وإيقاف عن العمل و(38) حالة مصادرة لمقتنيات وسائل الإعلام وإصدارات صحف.
وكشف التقرير، أن الحوثيين، تصدروا قائمة الجهات الأكثر انتهاكا للصحفيين خلال سنوات الحرب العشر الماضية بارتكاب (1178) انتهاك بنسبة 58.5%، من إجمالي الانتهاكات، تلتها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بتشكيلاتها المختلفة بـ (376) انتهاك بنسبة 18.7% ، فيما جاء المجلس الانتقالي الجنوبي الشريك في الحكومة والتشكيلات الأمنية التابعة له بارتكابه (113) انتهاك بنسبة 5.6%.
استبيان
وتضمن التقرير نتائج استبيان حول وضع الحريات الصحافية شارك فيه 213 صحفيا وصحفية من مختلف المحافظات اليمنية ومن دول خارج اليمن، منهم 169 صحفيا بنسبة 79.3% و 44 صحفية بنسبة 20.7%.
واعتبر 142 مشاركا في الاستبيان أنها منخفضة جدا بنسبة 66.7% من اجمالي المشاركين، فيما أعتبر (54) مشاركا انها منخفضة بنسبة 25.4%، وقيمها (14) مشاركا بانها متوسطة بنسبة 6.6%، وقال (2) من المشاركين بأنها مرتفعة جدا بنسبة 0.9%، فيما قيمها (1) من المشاركين بأنها مرتفعة بنسبة 0.5% من إجمالي المشاركين.
وبيّن الاستبيان أن 185 صحفيا وصحفية تعرضوا للانتهاكات خلال سنوات الحرب بنسبة 86.9%، فيما لم يتعرض (28) مشاركا للانتهاكات بنسبة 13.1%، وقال (206) من المشاركين إنهم يعرفون أشخاصا تعرضوا للانتهاكات على خلفية عملهم الصحفي بنسبة 96.7%، وهو ما يوضح حجم المخاطر التي تحيط بالصحفيين في اليمن فيما قال (7) مشاركين إنهم لا يعرفون حد تعرض للانتهاك بنسبة 3.3%.
وحول تقييم المبحوثين للجهة الأكثر انتهاكا لحرية الصحافة من واقع خبرتهم المهنية اختار (170) مشاركا السلطات السياسية المختلفة بنسبة 79.8% فيما اختار (28) مشارك القوى السياسية بنسبة 13.1%، فيما اختار (12) مشاركا إدارة المؤسسة الإعلامية بنسبة 5.6%، واختار (3) مشاركين القطاع الخاص/ المعلنين/ الممولين بنسبة 1.4%.
حماية الصحافيين
وفيما يخص مدى ضمان القوانين الحالية في اليمن لحماية الصحفيين وحرية التعبير رأى (102) مشاركا عدم وجود حماية قانونية فعلية بنسبة 47.9% من اجمالي المبحوثين، فيما اجاب (71) مشاركا بلا وأن القوانين غير كافية بنسبة 33.3، وأعتبر (33) مشاركا بنسبة 15.5% أن القوانين توفر حماية لكنها بحاجة إلى تطوير، فيما أجاب (4) مشاركين بنسبة 1.9% بأنها توفر حماية بدرجة كافية، ورأى (3) مشاركين بنسبة 1.4% بأنها توفر حماية قانونية فعلية.
ومن بين (213) مشارك قال (180) مشاركا بنسبة 84.5% أنهم لم يلجأوا إلى القضاء والقنوات القانونية جراء تعرضهم للاعتداء أو الانتهاك بسبب عملهم الصحفي، فيما أجاب (33) مشاركا بنسبة 15.5% بأنهم لجأوا إلى القضاء والقنوات القانونية.
دور القضاء
وحول عدم اللجوء إلى القضاء أجاب علي السؤال 170 مشاركا، برر (110) منهم بنسبة 64% عدم لجوئهم للقضاء لفقدان الثقة بالسلطات، فيما قال (18) مشاركا بنسبة 10% إنه تم حل القضايا وديا، وأرجع (17) مشاركا بنسبة 10 % السبب لعدم القدرة المالية للتقاضي، فيما ذكر (25) مشاركا بنسبة 15% أسباب أخرى أبرزها الخوف من السلطات التي ربما تلحق بهم الضرر، وغياب مؤسسات دولة حقيقية تحميهم، فيما ذكر البعض انهم ينشرون بأسماء وهمية أو بدون نشر وهذا يضعف موقفهم في القضاء حسب ما يعتقدون.
وحول تجاوب القضاء مع القضايا المرفوعة من الصحفيين قال 17 مشاركا بنسبة 52% أنه لم يتم انصافهم، بينما رد (10) مشاركين بنسبة 30%، أنه لم يتم التجاوب على شكاويهم، وأفاد اثنان من المشاركين بنسبة 4% انها تفاعلت وتم الانصاف، وذكر (4) مشاركين بنسبة 12% أسباب أخرى أبرزها صدور أحكام بالإعدام بحق صحفيين ومصادرة ممتلكات، عدم البت من قبل القضاء واللجوء للوساطات للتسوية وحل المشكلة، إضافة إلى التوقف عن متابعة القضية لأن المؤشرات كانت تدل أن الأمور تمضي على نحو غير جيد.
ولجأ لنقابة الصحفيين اليمنيين (104) صحفي وصحفية عند تعرضهم للانتهاكات بنسبة 48.8%، فيما لم يلجأ للنقابة (109) بنسبة 50.2%، وحول مدى تجاوب نقابة الصحفيين مع بلاغات الصحفيين أجاب على هذا السؤال (112)، حيث قال (56) مشاركا إنها تجاوبت بفاعلية بنسبة 50% فيما قال (41) إنها تجاوبت جزئيا بنسبة 36.6%، وأعتبر (15) مشاركا أنها لم تتجاوب بنسبة 13.4%.
وأعتبر (128) مشاركا أن الصحفيات يتعرضن لتهديدات وعنف لفظي على شبكات التواصل الاجتماعي أكثر لكونهن نساء بنسبة 60.1%، فيما رأى (56) أنه لا فرق بين الصحفي والصحفية بنسبة 26.3%، وقال (29) مشاركا إن الصحفيات يتعرضن للتهديدات والعنف اللفظي على شبكة التواصل الاجتماعي بشكل أقل بنسبة 13.6%.
ورأى (79) مشاركا بنسبة 37.1% أن الأسباب الأمنية وخطورة التحرك داخل المدن وخارجها أثرت بشكل أكبر على الصحفيات، فيما أرجع (60) مشاركا بنسية 28.2% الأسباب إلى خوف الاسرة من تعرض الصحفية للاعتداء، وربط (39) مشاركا بنسبة 18.3% السبب بالعادات والتقاليد التي تفضل إبعاد النساء عن الصراع، بينا أعتبر (35) مشاركا بنسبة 16.4% السبب يعود لفرض قيود خاصة بالنساء مثل "فرض المحرم، والإذن المسبق لولي الأمر أثناء السفر وغيرها.
مثّل الانترنت بديلا ومتنفسا للصحفيات في ذلك الكم من القيود والمعوقات التي أضافتها الحرب لهن، حيث استفادت العشرات منهن من التدريبات التي تقدمها مؤسسات صحفية محلية وخارجية، وكذا حلقات وورش عمل وندوات تتم عبر الفضاء الافتراضي. كما أن مواقع التواصل الاجتماعي جعلهن ينتقلن ببعض عملهن وآرائهن وحتى خواطرهن لذلك العالم الافتراضي.
وقال التقرير إن قضايا الإبتزاز والعنف الإلكتروني لا تزال محدودة التعامل معها قانونيا حيث أنه لايوجد قانون خاص بها، ما يجعل الإبلاغ عنها محدود للغاية، وبدأ تداولها عقب وقوع جرائم قتل أو إنتحار على خلفية ابتزاز الكتروني.
وعادة ما يحمّل المجتمع الفتاة أو المرأة مسؤولية وقوعها ضحية للتهديد والابتزاز الإلكتروني ويتهمها في أخلاقها وشرفها، الأمر الذي يعمل على حماية الجناة وزيادة عدد الضحايا.
و يمتنع (167) من المبحوثين عن نشر آرائهم على شبكات التواصل الاجتماعي خوفا من التعرض لتهديدات وعنف لفظي بنسبة 78.4%، فيما أجاب (46) مشاركا بانهم لا يمتنعون بنسبة 21.6%.
ويرى (180)، مشاركا أن المحتويات التي ينشرها الصحفيون على شبكات التواصل الاجتماعي يجب أن تحظى بنفس الحماية للمحتويات الصحفية بنسبة 84.5%، بينما رأى (33) مشاركا أنه لا يجب أن تحظى بنفس حماية المحتويات الصحفية بنسبة 15.5%.
وأفاد (208) مشارك أن الحرب أثرت على العمل الصحفي بنسبة 97.7% من اجمالي المشاركين في الاستبيان، فيما رأى (4) مشاركين أنها أثرّت إلى حد ما بنسبة 1.9%، فيم رأي مشارك واحد أن الحرب لم تؤثر علي العمل الصحفي بنسبة 0.4%.
توصيات
مع كل هذه المؤشرات والأرقام التي كشفت عن حجم الانتهاكات التي طالت الصحافيين في اليمن، فقد أوصى التقرير، الحوثيين، بإطلاق سراح الصحفيين المعتقلين (وحيد الصوفي، نبيل السداوي، محمد المياحي)، وإنهاء كافة القيود المفروضة علي العمل الصحفي في مناطق سيطرتهم.
وطالبت النقابة، الحوثيين بإلغاء اللوائح والتعميمات غير القانونية المنتهكة لحرية التعبير وحرية الصحافة، إسقاط أحكام الإعدام بحق الصحفيين، وإعادة ممتلكات وسائل الإعلام التي تم مصادرتها، والكف عن الملاحقة القضائية للصحفيين ومحاكمتهم أمام محاكم غير مختصة، والامتناع عن استغلال السلطات القضائية لترويع الصحفيين.
كما أوصى التقرير، الحكومة المعترف بها دوليا بالتحقيق في كافة الانتهاكات التي تعرض لها الصحافيون ومعاقبة المنتهكين، وإنصاف المتضررين من الانتهاكات، وتوفير بيئة آمنة للعمل الإعلامي في مناطق سيطرتها.
ودعت النقابة، المجلس الانتقالي الجنوبي إلى إطلاق سراح الصحفي (شاكر ناصح) المعتقل منذ نوفمبر 2023، ومحتجز حاليا في معسكر النصر بعدن، وإعادة مقر النقابة في عدن، وإلغاء القبضة الأمنية المفروضة على الصحافة والصحفيين، وإعادة مقرات وسائل الإعلام الرسمية وممتلكاتها.
الإفلات من العقاب
وفيما يخص الإفلات من العقاب، أوصت النقابة بـ"تفعيل المساءلة القانونية ضد الجهات أو الأفراد المتورطين في انتهاكات ضد الصحفيين"، وتوثيق الانتهاكات ورفعها للمنظمات الحقوقية الدولية والجهات المعنية بحرية التعبير، وتعزيز ثقافة حرية التعبير في المنصات الرقمية.
وشددت التوصيات على مواصلة نقابة الصحفيين ممارسة الضغط على القوى السياسية المختلفة حتى تتجنب التعرض للصحفيين، والبحث عن مصادر دعم للمؤسسات الصحفية والصحفيين لحمايتهم من الاستقطابات التي دفعتهم للعمل في الإعلام الحربي لصالح هذا الطرف أو ذاك.
وشددت على الاهتمام بالشكاوى والدعوات القضائية واستمرار إصدار تقارير حول الانتهاكات المتكررة، دعم الصحفيين ماديًا وتقنيًا وتقديم برامج دعم نفسي وأمني وتقني للصحفيين، خاصة في مناطق النزاع والضغط على السلطات والمجموعات المسلحة لوقف الانتهاكات.
واقترحت إنشاء صناديق لدعم الصحفيين المتضررين ماليًا أو أمنيًا او مهنيا، وإنهاء الانقسام السياسي داخل الوسط الصحفي وتشجيع الصحفيين على العمل المهني الموحد بعيدًا عن الاستقطاب السياسي، وإطلاق مبادرات مهنية مستقلة للربط بين الصحفيين في مختلف المناطق.
وأكدت على تبني النقابة لآلية تسهل على الصحفيات تقديم شكاوى العنف والابتزاز الالكتروني، وتدريب الصحفيات في مجال الحماية الالكترونية، وتقديم الدعم القانوني لهن.
ودعت التوصيات الجهات الرسمية القيام بواجبها تجاه حماية الحريات الصحفية من خلال حماية الصحفيات من الانتهاكات والاعتداء، كما دعت المنظمات المعنية بحقوق الإنسان وحرية الصحافة إلى توفير دعم مهني وقانوني للصحفيات.
وأكدت على إيلاء المزيد من الاهتمام بالصحفيات والذي تراجع كثيرا عقب الحرب وتشجيع انتسابهن للنقابة، كما شددت على المؤسسات الإعلامية حماية الصحفيات العاملات فيها من أي تهديد خارجي نتيجة عملهن، وكذا من التحرش داخل العمل وتشجيعهن للإبلاغ عنه ومحاسبة مرتكبيه.
ودعت المؤسسات الإعلامية الالتزام بقانون العمل في كافة الأمور المتعلقة بالمرتبات والأجور والمكافآت بالعاملين من الجنسين.
ومع هذه الصورة القاتمة للصحافة في اليمن، يبقى المشهد ضبابيا لمستقبل هذه المهنة الأكثر خطورة ليس في اليمن فحسب بل على مستوى العالم، ويأمل الصحافيون أن تحظى الصحافة باهتمام من كافة الأطراف التي تؤثر بشكل مباشر وقوي على العمل الصحفي.