23 يوليو 2025
16 نوفمبر 2022
يمن فريدم-القاهرة- آية خالد
دار الأوبرا المصرية-القاهرة

على مدار أعوام كثيرة ودار الأوبرا المصرية تحتضن فعاليات فنية متنوعة بين الحفلات الغنائية والمعارض التشكيلية، وكان لليمنيين المقيمين في مصر مشاركات وحضور مميز بأعمالهم، لاسيما بعد العام 2016 مع تزايد عدد اليمنيين في مصر؛ مع استمرار الحرب وتفاقم الأوضاع.

ومع كل مشاركة يثبت اليمنيون أنهم قادمين من بلد مُفعم بالحضارة والثقافة والفن بمختلف ألوانه المتعددة، ويعكسون صورة جميلة عن تراثهم، بلوحات فنية تُبهر الجميع، وتُحدث صدى واسع بين الحضور من مختلف البلدان.

مهرجان خاص بالأغنية اليمنية

الفنان أحمد فتحي من أوائل الفنانين اليمنيين الذين شاركوا في حفلات فنية في دار الأوبرا المصرية أثناء دراسته بالمعهد العالي للموسيقى، وكان آنذاك بداية تأسيس مهرجان الموسيقى العربية، في عهد الراحلة الدكتورة رتيبة الحنفي، بعد أن انتقلت من المعهد العالي للموسيقى العربية إلى دار الأوبرا.

ألتقينا بالموسيقار أحمد فتحي المُلقب بملك العود، وتحدث لـ " يمن فريدم" عن مشاركاته الفنية في مصر وقال:" أول مهرجان شاركت فيه أنا ومجموعة من المطربين العرب كل واحد منا غنى بفن بلده، وهذا كان أول مهرجان ضم الموسيقى العربية، وبعدها تحول لغناء مصري، وهذه مشكلة وتناقض اسم المهرجان موسيقى عربية وكل الأغاني التي تُغنى مصرية، مع احترامنا واعتزازنا بالغناء المصري ومصر ".

وعن مشاركة الفنانين اليمنيين في فعاليات دار الأوبرا يعبر عن مدى سعادته: " يُسعدني كثيرًا ويسعد الجمهور اليمني والعربي أيضًا أن تطلع المواهب اليمنية الشابة الناشئة في احتفالات مهرجان الموسيقى العربية التابع لدار الأوبرا مع فرقة موسيقية ومعدات وتجهيزات وتصوير، فهذا شيء جميل وتشجيعي لهذه المواهب، ونـأمل أن يتم ترك المجال للمشاركين ليعرضوا هويتهم الفنية الخاصة ببلدانه".

يتذكر الموسيقار أحمد فتحي واحدة من محطات دراسته عندما كان طالبًا في المعهد العالي للموسيقى في القاهرة وتتعلق بخلافه مع عميدة المعهد آنذاك د. رتيبة الحنفي ويقول:" خلافنا كان مع د. رتيبة الحفني الراحلة، عن اسم المعهد فاسمه المعهد العالي للموسيقى العربية يعني موسيقى العرب، وكانوا يدرسونا فيه موسيقى تركية، وقليل مصرية، وعندما كنا نلتقي نحن الطلبة العرب نُسمع بعضنا موسيقى بلداننا وكان شيء مدهش، فقلت هذه الملاحظة للدكتورة رتيبة رحمها الله، وكان ردها بإلغاء الفكرة وهُددتُ بالفصل إن كررت نفس هذه الفكرة".

وأثنى ملك العود على المجهود الذي تبذله دار الأوبر: "الشكر الكبير لدار الأوبرا وللقائمين على مهرجان الموسيقى العربية وعلى من يرشح المشاركين، ويُتيح لهم هذه الفرصة ليطلقوا عِنان مواهبهم".

 

الفنان أحمد فتحي وابنته بلقيس يغنيان في دار الأوبرا-القاهرة

طفل في فرقة أم كلثوم

النجاح الملحوظ الذي يحققه الفنانون اليمنيون في كل فعالية، جعلت دار الأوبرا تتيح الفرص أكثر أمام الجالية اليمنية، دون التقيد بالفئة العمرية، فالطفل هشام اليمني هو الآخر ذاع صيته، وله حضور مبهر على مسارح دار الأوبرا وحقق نجاحا كبيرا أشاد به كثير من الموسيقيين، وأشادوا بالإمكانيات الصوتية التي يمتلكها رغم صغر سنه.

وبحسب والده "فإن هشام أول فنان على مستوى الوطن العربي يغني في دار الأوبرا المصرية وبستة مسارح، وأول طفل وفنان عربي عضو في فرقة أم كلثوم للموسيقى العربية، وأول فنان يمني يُكرم بدرعيين من المعهد العالي للموسيقى العربية بأكاديمية الفنون، ودرع من مركز تنمية المواهب بدار الأوبرا المصرية".

 

الفنان هشام اليمني يغني مع فرقة الراحلة أم كلثوم-مصر

لوحات على جدران دار الأوبرا

وللتشكيليين مساحة خاصة وريشة سلسة تنقل التراث اليمني، والمعاناة أيضًا، ونجح الفنانون التشكيليون في إيصال رسائل كثيرة لكل من يزور الركن اليمني في المعارض.

تجد ميادة الورافي، فنانة تشكيلية، وطالبة دراسات عليا في المعهد العالي للفنون الشعبية أن الأوبرا المكان المناسب لأي فنان تشكيلي يسعى لتنمية قدراته وذائقته ويطّلع على فن الآخرين، وتقول: " الأوبرا إضافة لأي فنان يشارك فيها وهي ميزة للسيرة الذاتية والمشوار الفني".

وتُضيف: "جميع الفنانين يعلموا أهمية دار الأوبرا المصرية وعلاقتها ومدى التنوع الفني فيها من حيث الغناء والرقص والفن التشكيلي، والحفلات المقامة فيها والمعارض التشكيلية".

ترى ميادة أن المعرفة والمتابعة لمعرفة أنشطة المعارض يعمل على اثراء الفنان وتقول: "كل فنان يكون مطلع على المعارض ليشارك فيها، وهذا دائمًا يُثري من حيث التغذية البصرية، ونحن بحاجة للاطلاع المستمر والواسع، والمدارس الفنية في مصر متنوعة جدًا، ودار الأوبرا تُقيم بشكل مستمر معارض تشكيلية لفنانين مختلفين من مختلف الجنسيات ومنهم اليمنية، وهذه المعارض تقام سنويًا ولفترة طويلة وتحمل الحداثة والقديم وتحمل مدراس متعددة في الفن التشكيلي".

وأشارت الفنانة ميادة في حديثها إلى أن المشاركات تخلو من التعقيدات للفنانين الذين يقيمون معارضهم الشخصية، وتضيف: قبل سنتين تقريبًا نظمنا كفنانين يمنيين معرض بعنوان " مصر بعيون يمنية" لقى استحسان الكثير، وكان لي الشرف أن أكون من ضمن لجنة التحكيم مع فنانين كبار، وأتمنى أن تُكرر مثل هذه المعارض بدعم واهتمام من الجالية اليمنية والسفارة ويتم الاهتمام بالفنانين".

الفنان التشكيلية اليمنية ميادة الورافي في أحد معارضها بدار الأوبرا- القاهرة 

تطلعات لتعاون أكثر

نائب رئيس المركز الثقافي اليمني في مصر، نبيل سُبيع، لديه تطلعات كثيرة للإسهام في منح المزيد من الأنشطة الفنية اليمنية، ويقول: " إن كل الأنشطة التي تُقام تظل بالنسبة لليمنيين أقل مما نطمح إليه في المركز الثقافي اليمني، وبالنسبة لأي جهة فنية تعمل في القاهرة، خاصة أن عدد الجالية اليمنية كبير، ولم تعد مجرد جالية بل مجتمع أو شعب مُصغر، ويتواجد ضمنهم كثير من الفنانين والموهوبين، فنحن نعتبر القاهرة قِبلة للفنانين والأدباء عبر التاريخ".

ويضيف سبيع: "العدد الكبير لهؤلاء يضع على عاتق المركز والسفارة كثير من المسؤوليات بأهمية ضرورة توسيع الخرائط الفنية والثقافية في مصر عبر التعامل مع المؤسسات المصرية، وأتمنى من الجهات الثقافية في مصر تمكينهم من عكس تراث اليمن الثقافي والفني عبر الصروح المختلفة".

وأشاد سُبيع بدار الأوبرا ويعتبرها صرحا فنيا وثقافيا مهما، ومنارة فنية كبيرة في القاهرة، ويقول إنها مهمة بالنسبة لليمنيين واليمن، ويأمل أن يكون هناك تعاون مستمر مع الدار حتى ينعكس على الفعاليات الفنية " كمهرجان الطبول والحفلات الموسيقية، أو المعارض التشكيلية، وفعاليات أخرى استوعبتها الأوبرا" حسب تصريحه.

احتضان واسع

لم تستوعب مصر ودار الأوبرا الفعاليات الداخلية والفنانين اليمنيين في مصر فقط، بل تستضيف الفعاليات القادمة من اليمن وتُحسن ضيافتهم من خلال التجهيزات المتكاملة والخدمات التي تقدمها لهم.

وحول هذا يتحدث لـ " يمن فريدم" المؤلف الموسيقي محمد القحوم، عن سبب اختيارهم دار الأوبرا المصرية لإقامة حفلة" نغم يمني على ضفاف النيل" وأكد أن اختيارهم لمصر جاء بناء على التسهيلات والترحيب الذي وجدوه من وزارة الثقافة المصرية، ودار الأوبرا، من تجهيزات لوجستية وديكورات وتسهيل دخول الفريق إلى مصر، ويقول " مصر دائمًا محتضنة لكل الفن العربي وهي بلد منبع الفن، وكانت أفضل خيار لنا لتقديم هذا الفن فيها".

وللقحوم نظرة أخرى في مشاركة الفنانين اليمنيين في الحفلات الغنائية ويعتبرها خطوة أولية مهمة لحضور الفن اليمني المستمر في دُور الأوبرا حول العالم، وليس فقط في الأوبرا المصرية، ويقول: " تُعد محطة قوية جدًا؛ لتقديم الفن من خلالها، ونطمح أن تكون هذه الحفلات خاصة باللون اليمني لتقديم ألوان يمنية بحتة بقوالبنا المتنوعة".

ويرى القحوم أن هناك حاجة ملّحة لتقديم الفن اليمني بكل ألوانه، ويضيف:" نحن نحتاج لناس يُحافظوا على التراث كما هو دون تجديد، وبحاجة لمن يجددوه ويضيفوه لألوان مختلفة، ويقدموه على هيئة مشاريع وإنتاجات بقالب أوركسترالي، كل هذا يُثري الفن اليمني بكل تأكيد.

ويعتقد أنه كلما كان الفن مأخوذ بصورة مميزة، كلما تقبله الناس كما هو، ولا يمانع القحوم من تعديل بعض الأمور التي تحسن من الطرح وقالبه، واستخدام الأدوات الحديثة في تقديم هذا الفن بوعاء يفهمه كل العالم، حد قوله.

حصلت حفلة القاهرة "نغم يمني على ضفاف النيل" بالمركز الأول مناصفةً مع المغرب في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون بدورته 22 الذي أُقيم مؤخرا في العاصمة السعودية الرياض.

 

المؤلف الموسيقي محمد القحوم-خلال أداء مقطوعات في حفلة "نغم يمني على ضفاف النيل" دار الاوبرا

 

الوصول للعالمية

ويُخبرنا الفنان التشكيلي ردفان المحمدي عن الفائدة التي عادت له من مشاركاته المستمرة في المعارض التي تقيمها الأوبر ا ويقول لـ " يمن فريدم": " أفادتني هذه المعارض مهنيًا؛ لأن المعارض المشتركة تغذي العقل بالكثير من المدارس، والأساليب المختلفة لبقية الفنانين، وهذا ما يجعل الفنان في حالة تطور ونضج دائم، فضلًا عن الفرص التي أتلقاها للمشاركة في معارض أخرى مهمة داخل وخارج مصر والوطن العربي، كانت من خلال فرص التعارف التي جمعتنا في المعارض المشتركة في دار الاوبرا وبقية الجاليات في مصر".

ويتحدث المحمدي عن التنسيق والتعارف اللذين يمكن لهما اتاحة فرص أكثر للمشاركة في الفعاليات والمعارض، ويشرح: " التنسيق معنا يكون من قبل المنسقين المصرين للمعارض، ويكون المنسق إما على معرفة شخصية بأحد الفنانين اليمنيين، فيطلب منه ترشيح مجموعة فنانين بجانبه للمشاركة، أو يتم عمل دعوة ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، وبحكم صداقتنا بالمنسقين نشاهد الإعلان ونمرره للفنانين التشكيلين اليمنيين في مصر من خلال جروب يجمع أغلبنا، ومن يحب المشاركة سيقدم أعماله على الإيميل بخلاف المعرض التي نُشارك فيها باسم المركز الثقافي والسفارة اليمينة".

الفنان التشكيلي اليمني ردفاع المحمدي مع أحد أعماله الفنية

ومع هذا الامتداد والترابط بين اليمن ومصر، لم يجد الفنان اليمني أيا من أبواب المؤسسات الثقافية والفنية المصرية مغلقة في وجهه، بل على الدوام تفتح أبوابها لاحتضان كل ما هو يمني بهويته وحضارته وفنه المتجذر والعريق.

ودار الأوبرا المصرية أصبحت عنوانا كبيرا ومكان يحتضن شتات الفن اليمني الذي قذفت به الحرب خارج حدود اليمن في محاولة لجعله متماسكا وتقديمه في كل الظروف لاثبات هوية واصالة الفن اليمني بكل اختلافاته وأشكاله.

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI