عندما يتحول الوطن إلى سجن
"المَحْرَم".. شرط يقوّض حقوق النساء اليمنيات في السفر
وجدت صفاء نفسها عالقة في مكتب شركة نقل بري، ولا تستطيع السفر من صنعاء إلى عدن، بعد أن أخبرتها الشركة بعدم إمكانية السفر إلا بمَحْرَم ، أو موافقة رسمية منه، وتوقيعه على وثيقة فرضتها جماعة الحوثي على شركات النقل في المحافظات الخاضعة لسيطرتها.
كانت صفاء مضطرة للسفر إلى عدن، ومنها إلى خارج البلد للعمل، إلا أنها لم تكن تتوقع وهي امرأة فوق ( 45)عاما، وتحمل العديد من المؤهلات العليا، وشغلت وظائف إدارية عليا أن تُعامل كقاصرة، وتمنع من حقها في السفر، وتجبر على إحضار أخيها الذي يصغرها بـ10 سنوات إلى الشركة وأخذ موافقته، للخروج من المأزق.
تقول صفاء- اسم مستعار وفقا لطلبها-: "من المخجل أن تُعامل المرأة بامتهان، وتتراجع حقوقها إلى مراحل كانت قد تجاوزتها بكثير، وتمنع من حقها في السفر".
ليست صفاء وحدها من منعت من السفر، والمئات من النساء منعن من التنقل بين المحافظات منذ العام 2019، عندما بدأت جماعة الحوثي تدريجيا بإصدار تعميمات لشركات النقل البري يجرم سفر النساء دون "مَحْرَم" ، أو موافقة خطية منه، ووضعت مندوبين في كل الشركات لمراقبة مدى الالتزام بالتوجيهات.
قيود متشددة
لم يأت قرار الحوثيين منع سفر المرأة فجائيا، وسبقته العديد من الإجراءات التي قوضت حقوق المرأة، وشددت الخناق عليها، وفرضت قيودا متشددة على دراستها وعملها وطريقة لباسها، وممارسة حياتها العامة.
واعتمدت جماعة الحوثي في فرض قراراتها على قوتها، ونفوذها على الأرض، ومرجعيتها الدينية "المتطرفة"، وتعمدت تشويه المرأة، والانتقاص من قدرها، وصادرت حقها في الحياة والسلامة الجسدية، وشردت قسرا مئات النساء من قراهن، كما اعتقلت ونكلت بهن في السجون والمعتقلات الخاصة والسرية، ووصلت إلى إصدار أحكام بالمؤبد والإعدام بحقهن، وإخضاعهن لمحاكمات غير مشروعة وبتهم باطلة، كما تؤكد المحامية ورئيسة مؤسسة دفاع للحقوق والحريات هدى الصراري.
وترى الصراري، أن إجراءات منع النساء من السفر في مناطق سيطرة الحوثيين، نسفت كل الحقوق المكتسبة التي تحصلت عليها المرأة اليمنية، ومنحتها لها التشريعات القانونية، وألغت آليات الحماية من خلال الاستهداف الممنهج والقرارات المتشددة.
وتتفق معها رئيس إتحاد نساء اليمن بتعز فوزية الحميضة، على أن حقوق النساء شهدت تراجعا كبيرا منذ استيلاء الحوثيين على السلطة، ومارسوا إجراءات تعسفية تنتقص من مكانة المرأة، وتعتبرها ناقصة عقل ودين، ويجب أن تعيش تحت الوصاية.
وأكدت في حديثها لـ"يمن فريدم" أن الكثير من النساء تعرضن للمنع من السفر بسبب المحرم، وتعرضن لانتهاكات حقوقية وابتزاز، مما أثر على كثير من مجالات حياتهن، وحرمهن من حقهن في التنقل والسفر.
إدانات
على الرغم من عدم وجود قانون يشترط وجود مَحْرم أثناء تنقل النساء، إلا أنه خلال السنوات القليلة الماضية، تكررت حوادث التشديد على المحرم، وسؤال النساء عنه في وسائل المواصلات أثناء التنقل بين المحافظات.
ولهذا دانت الحكومة اليمنية،المعترف بها، القيود التي فرضتها جماعة الحوثي على حركة النساء في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ومنع سفرهن عبر مطار صنعاء وتنقلهن بين المحافظات، إلا بمرافق، دون مراعاة للأوضاع والظروف الاستثنائية التي خلفها الحرب.
وقال وزير الإعلام معمر الارياني في سلسلة تغريدات على تويتر: "نستغرب أن تتزامن الحملات والإجراءات التعسفية التي تستهدف النساء اليمنيات، وتستنسخ فيها جماعة الحوثي ممارسات التنظيمات الإرهابية داعش والقاعدة، مع الدعوات والجهود التي يبذلها المجتمع الدولي والدول الشقيقة والصديقة لتخفيف القيود، والسماح بحركة وتنقل المواطنين بصورة طبيعية".
ووجهت منظمة العفو الدولية دعوة للحوثيين إلى وضع حدًا لشرط "المَحْرَم" بصورة فورية، باعتباره نوعاً من أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي، ويرسخ التمييز الذي تواجهه النساء في اليمن بشكل يومي.
وقالت في تقرير "الحوثيون يخنقون النساء باشتراط وجود المَحْرَم" " أن النساء اليمنيات يحتجن بشكل عاجل إلى أن يكن قادرات على التنقل بحرية في جميع أنحاء البلاد من أجل العمل، وطلب الرعاية الصحية، وتقديم أو تلقي المساعدات الإنسانية.
إعاقة العاملات بالمنظمات
العاملات في المنظمات المحلية والدولية والأعمال الإنسانية كان لهن النصيب الأكبر من الأضرار الناتجة عن المنع من السفر، وأعاقتهن القيود الحوثية المشددة من القيام بعملهن، خاصة اللواتي تتطلب منهن طبيعة عملهن السفر.
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، اعتبر أن الاستمرار في مطالبة عاملة الإغاثة اليمنية بـ "المَحْرَم" عند السفر في بعثات ميدانية بين المحافظات، وخارج اليمن عبر مطار صنعاء الدولي، أثر على العديد من أنشطة البرنامج، وأدى إلى إلغاء زيارات ميدانية وتسليم مساعدات للمحتاجين.
وأكد تقرير دوري حديث صادر عن المكتب، أن قيود الحركة داخل اليمن هي النوع السائد من حوادث الوصول المبلغ عنها في الربع الثالث من عام 2022، حيث تم التبليغ عن 307 حوادث، سُجلت 94 % منها في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، و 6 % في مناطق الحكومة اليمنية.
في جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 ،كانت المرأة اليمنية حاضرة في احاطة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة السويدي،هاني غروندبرغ،والذي قال ،إن المرأة اليمنية تعاني من التأثيرات غير المتناسبة بسبب النزاع والدور المتكامل الذي يجب أن تلعبه المرأة في كافة جوانب التسوية السياسية الشاملة.
غروندبرغ سلط الضوء على حقوق المرأة اليمنية وما تتعرض له من انتهاكات خاصة شمال اليمن،وذكر في الاحاطة"الوقت ليس في صالح المرأة اليمنية لأن حقوقها الأساسية، بما في ذلك حرية الحركة، تتعرض لمزيد من الانتهاك. يؤثر هذا حاليا على جميع النساء اليمنيات في الشمال، بما في ذلك موظفو الأمم المتحدة، ونحن بحاجة إلى أن نكون واضحين أنه لا توجد أعذار لمثل هذه الأفعال".
وترتب على إجراءات منع النساء من السفر تبعات كثيرة، حرم المرأة من الحقوق المكفولة، وجعلتها تفقد عملها في بعض الأحيان، ويسقط عنها الامتيازات وفرص التدريب والتأهيل داخل وخارج اليمن، ومنعها من التنقل بين المحافظات اليمنية للدراسة أو العمل والعلاج، بحسب ما تؤكده الصراري.
تقول المحامية هدى الصراري لـ"يمن فريدم": "قرار منع النساء من السفر للموظفات العاملات في المنظمات الدولية والمحلية، قلص وصول المساعدات الإنسانية والخدمات للنساء الريفيات، وحرم شريحة كبيرة من النساء الفقيرات والريفيات من وصول المساعدات الإنسانية في المناطق النائية.
التصدي للظلم
المنظمات والهيئات الدولية، طالبت المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين، للتوقف عن فرض شرط "المَحْرَم" على النساء، وأكدت أن هناك خطر حقيقي للغاية من أن تُحرم النساء والفتيات من تلقي المساعدات إذا استمر منع العاملات في المجال الإنساني من السفر دون "مَحْرَم" ، إلا أن الصراري ترى، أن المدافعات عن حقوق الإنسان يقع عليهن دورا كبيرا، ومسؤولية تجاه حماية المرأة، والوقوف ضد القرارات المتشددة التي تهدم كل البنى التي شيدتها في مسيرتها النضالية على مر السنين.
وتؤكد أن على الناشطات الحقوقيات فضح الممارسات التعسفية للعالم والمجتمع الدولي، والضغط على الحوثيون للتخلي عن القرارات الظالمة، من خلال تسليط الضوء على الانتهاكات والآثار السلبية لها، ومناصرة قضايا النساء في مناطق سيطرة الحوثيون، والتنسيق مع كافة القوى المجتمعية في الداخل والخارج لكشف نهج الحوثي الإرهابي ضد المرأة في اليمن.
ويعد هذا الاجراء الذي يصادر حق النساء اليمنيات في التنقل مخالفا للدستور اليمني والذي ينص في مادته رقم (57) "حرية التنقل من مكان إلى آخر في الأراضي اليمنيـة مكفولة لكل مواطن، ولا يجوز تقييدها إلا في الحالات التي يبينها القانون لمقتضيات أمن وسلامة المواطنين وحرية الدخـول إلى الجمهورية والخروج منها ينظمها القانون، ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن الأراضي اليمنية أو منعـه من العـودة إليهـا".
ومع هذه الإجراءات التي تعتبر شكلا من أشكال المماسات التي تستهدف المرأة اليمنية يتجه العالم إلى مواجهة كل الانتهاكات وأعمال العنف التي تطال النساء في كل البلدان بما في ذلك اليمن،كما يتزامن هذا مع "اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة"،وهو بمثابة تذكير لما تتعرض له المرأة في العالم عامة واليمن خاصة في ظل استمرار أعمال العنف ضدهن ومصادرة حقوقهن وحرياتهن .