7 يوليو 2024

بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان تأمل أسر المعتقلين سرعة إطلاق سراحهم دون شروط ووقف الانتهاكات

أُسر المعتقلين.. بين وجع الاعتقال ونار الانتظار
10 ديسمبر 2022
يمن فريدم-خاص-آية خالد
مصدر الصورة: رابطة أمهات المختطفين

 

مع استمرار الحرب تستمر معاناة الأهالي، خوفًا على أبناءهم من الاعتقال، من طرفي النزاع، وأهالي المختطفين يعيشون برعب مستمر خشية أن يصلهم خبر موت معتقليهم داخل السجون، من شدة التعذيب أو لأسباب أخرى، وكما يُقال" الحرب لا تستثني أحد" فالجميع يظل تحت وطأة التهديد، وبأي لحظة يمكن إخفاءه دون أن يعلم أحد، مكانه.

 

حالات الاخفاء القسري والاعتقالات ليست فقط في مناطق سيطرة الحوثيين فحسب، بل حتى في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها، ففي عدن هناك أكثر (118) مدني معتقل لدى قوات الحزام الأمني بينهم (54) مخفي قسرياً، و(526) مدني مختطف لدى جماعة الحوثي بينهم (64) مخفي قسرياً، (12) لدى الأجهزة الأمنية بمأرب، و(9) لدى قوات الساحل الغربي أحدهم مخفي قسراً ، وفي تعز وثقت (401) حالة اختطاف أخذوا من نقاط التفتيش التابعة للحوثيين، وما يزال (39) منهم مختطفًا في السجون يعانون من ظروف احتجاز سيئة، وفق إحصائية نشرتها الرابطة في 2022.

 

بدايات مأساوية متشابهة

 

تواريخ الاعتقال تذهب وتعود بذكرى سيئة لدى الأهالي، وهو حال أسرة الإعلامية أبها عقيل، التي شتت الحرب شملها، تعيش أبها في مصر، بينما والديها وشقيقاتها في القرن الافريقي(الصومال).

 

في أغسطس 2018 اعتقل الحوثيون شقيق الإعلامية أبها البالغ من العمر (17 عامًا) من داخل المنزل في صنعاء، وخالها في العقد الخامس من عمره وجرى اعتقاله من منزله في محافظة إب، تاركًا خلفه خمسة أطفال، وبدون أي تهمة واضحة تم اعتقالهم، وحتى اليوم ما يزالون في سجون الحوثيين.

 

فالأمر لم يختلف كثيرًا في الطرف الآخر من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، فهذا شهر نوفمبر أصبح أيضًا كابوس لدى أُسرة عادل محمد صالح (45) عامًا، ففي يوم الخميس 17/11/2016، ذهب عادل إلى الشيخ عثمان في عدن لاستلام راتبه كمنتسب للجيش، حيث يعمل في حرس قصر معاشيق، ومن ذلك التاريخ لم يعُد إلى منزله.

 

ذهب عادل تاركًا خلفه عبء سبعة أطفال على زوجته أروى فضل (40) عامًا، ووالدته المكلومة التي تدهورت صحتها من شدة بكاءها عليه، وقد أصيبت بفقدان الذاكرة؛ نتيجة نزيف في الدماغ، عادل هو المُعيل الوحيد لأسرته، وبعده تفاقمت الأعباء على زوجته؛ لاسيما أنها اضطرت للخروج للعمل؛ لتوفير لقمة العيش لأطفالها.

 

قررت أروى بعد سنوات من اختفاء زوجها الانضمام لرابطة أمهات المختطفين، كراصدة، وبدأت تُشارك في الوقفات الاحتجاجية، واستغلت هذا في متابعة قضية زوجها.

 

الاعتقال والاخفاء وأثرهما على الأسرة

 

تترك حالات الاعتقال والاخفاء القسري ندوب كبيرة لدى الأسر، وتخلق حالة يكتنفها الخوف والتوتر والاضطرابات النفسية على كافة المستويات.

 

رابطة أمهات المختطفين المكون الأساسي الذي يسعى بكل الإمكانيات للتخفيف عن معاناة الأهالي الذين ينتظرون أقاربهم المعتقلين والمخفيين قسرًا في كافة السجون.

 

وفي هذا الموضوع تحدثنا مع مديرة رابطة أمهات المعتقلين في تعز، أسماء الراعي، عن أثر الاعتقالات على الأسر، وتؤكد "أن الاعتقال يؤثر نفسيًا على الأسر من عدة نواحي، فهُناك تأثير لأسرة المختطف المختفي قسريًا، وفترة الاختطاف والاخفاء والتغييب، هؤلاء أشد الأُسر تأثرًا بالجانب النفسي؛ كون المختطف لا يُعرف مكانه، من أقسى القصص التي وصلتنا وفاة إحدى الأمهات بعد غياب ابنها لسبع سنوات، وزوجة توفت دون أن تعلم مكان زوجها".

 

تأثير الاعتقال على الأطفال

 

وتضيف الراعي" الأطفال هم أكثر فئة تتضرر نفسيًا، حيث يقارنون أنفسهم بأصدقائهم في المدرسة والحارة، وأخضعنا مجموعة من الأطفال للدعم النفسي؛ ليتعايشوا مع وضعهم الحالي، وحتى لا يؤثر ذلك عليهم دراسيًا واجتماعيًا أكثر".

 

"أخبرت أولادي بعد أن عالجتهم نفسيًا إذا أبوكم حي بإذن سيظهر وهو بطل وإذا أُستشهد فهو بطل حارب بكل بسالة دون مصلحة" بهذه العبارات ترد أروى فضل على أطفالها حين يفتقدون ويسألون عن والدهم المُعتقل منذُ سبع سنوات لدى الحزام الأمني في عدن، وأخضعتهم للعلاج النفسي أكثر من مرة بعد الأزمة والاضطرابات التي تعرضوا لها؛ بسبب غياب والدهم.

 

تهديدات بالقتل لمن يتابع قضايا المعتقلين

 

لا شيء أصاب الإعلامية "أبها" وأسرتها سوى الذهول والصدمة، من بداية الاعتقال حتى الإعلان أنهم مُعتقلين، وتؤكد "الخبر لم يسجنهم فقط بل كان قاتل لنا، وأصابنا الرعب على بقية الأسرة هناك، حتى أنهم منعوا أحد اخوتي من متابعة وضع أخي؛ وهددوه بالقتل والسجن.

 

ولم يكن الأمر بالنسبة لأروى مختلفا فقد قالت إنها "تتابع قضية زوجها بمفردها؛ كون أصدقاء زوجها ومعاريفهم يخشون التدخل؛ حتى لا يصيبهم مكروه ويكون مصيرهم مثله".

 

تُهم مجهولة ومستقبل ضبابي

 

"نحن رعايا الحوثي الآن فعليه أن يؤمن لنا متطلباتنا" ظنت أسرة أبها في البداية بأن الحوثيين اعتقلوا الخال لهذه العبارة، التي قالها خلال خطبة الجمعة الأخيرة قبل الاعتقال، وقيل لهم بأنها استفزت الحوثي، بالإضافة إلى أنهم كانوا يقيمون دورات تدريبية دورية لأئمة الجوامع، فتوقعنا أخذه لهذا الشيء.

 

بدأت قصة الاعتقال حين استدعوا خالها الذي لم يغُادر القرية قط، بحجة أنه مُستدعى للنيابة في إب، بعدها بأسبوع زارهم أشخاص لمنزلهم في صنعاء وأخذوا شقيقها من المنزل؛ وبرروا ذلك بأنهم يحتاجوه بمشوار للجولة، ولم يعُد بعدها، وقالوا " بأنه انضم لدورة تدريبية تثقيفية مع خالِه ومدتها 3 أشهر ويعودوا".

 

تقول أبها: " كلام الناس بعث فينا الطمأنينة، حيث أخبرونا بأن الدورات هي ثلاثة أشهر ويعودوا بعدها، لكنهم لم يعودوا بعدها حتى اليوم" لكن هذه الطمأنينة لم تلبث طويلًا في قلب الأسرة، خاصة أن الخال مُعتقل في مكان والأخ بمكان آخر وكل واحد منهم بتهمة مختلفة.

 

انتهت الثلاثة أشهر وانتهى الأمل المتشبثة به هذه الأسرة، فكلما تابعوا الجهات المعنية تحججت بسبب آخر، والصدمة التي تلقتها الأسرة هي أنه تم إذاعة أسماءهم في الإذاعة، أي أنه تم القبض عليهم ضمن خلية متورطة بقضية مقتل الصماد، هُنا عرفت الأسرة المكلومة بأنهم مسجونين، بعد أشهر طويلة قضوها في شد وجذب ما إذا كانوا مسجونين أم بدورة حسب تأكيد المشرفين في كل مرة يسألوهم عنهم.

 

تقول "أبها" إنهم عرفوا بعد سنتين من الاختفاء التهمة التي تم تلفيقها لهم، وبعد دفع مبالغ مالية ورد الحوثيون عليهم بأن شقيقها وخالها متورطين بتأسيس خلية تجسسية لإرسال الإحداثيات لطيران التحالف والتي كانت سببا في مقتل صالح الصماد.

 

لم تكن الإعلامية "أبها" وحدها تعيش هذا القلق على شقيقها وخالها في سجون الحوثيين، فأروى هي الأخرى تشاركها ذات القلق وتقول في تفاصيل الاعتقال إن زوجها ليس من عادته التأخر عن موعد الغداء، وفي يوم الاعتقال تأخر كثيرًا، وكان هاتفه مغلقًا لوقت طويل، وانتابت أروى حالة من القلق، فلجأت للسؤال عليه عند إخوته ومعاريفه، وقالت" أخبروني أنه جاء شخص لسوق القات وأخبر اخوان زوجي أن عادل في جوله الكراع مديرية الشيخ عثمان أوقفته قوات الحزام الأمني ، وتم سؤاله عن الزجاج العازل، وأخبرهم زوجي أنه وكالة وحصلت مشادات كلامية، و زوجي أخبرهم بأنه من قادة المقاومة في كريتر تجاهل زوجي كلامه،  تم إطلاق النار على الباص طلع لفوق الرصيف وجاءت القوات وأخدته بالقوة وفتشوا الباص وأخدوا الأوراق هذه وفي شاهد شاف في النقطة".

 

وتضيف أروى" بعدها أخذوا زوجي وصديقه والباص إلى سجن المنشآت في المنصورة تابع للحزام الأمني بقيادة أبو اليمامة بشهادة صديقه جاءت قوات السجن وقالت عادل حداد مطلوب للتحالف حي أو ميت، ظهر صديقه بعد عدة أشهر، وخرج وقال هذه التفاصيل، كنا نتابع المقاومة يقولوا إنه مجرد تحقيق وسيخرج، ولليوم والتحقيق لم ينتهي".

 

جبايات ووعود خاوية

 

تتلقى أسر المعتقلين كل يوم آمال ووعود بالإفراج عن معتقليهم، هذه الوعود تُقابل كل مرة بالخذلان، ولا جدوى لها، حتى أن هناك "سماسرة" مهنتهم الرئيسية استغلال أهالي الأسرى، ويطلبون مبالغ خيالية، قد تصل لملايين، مقابل متابعة قضية أسير ومحاولة إطلاق سراحه.

 

وفي هذه الجزئية كشفت مدير رابطة أمهات المختطفين في تعز، أسماء الراعي عن المسؤوليات الكبيرة التي تتحملها الأسر على المدى البعيد، بالإضافة للاستغلال الذي تتعرض له الأسر من قبل جهات تتوقع أن تساعدها في الافراج عن أقاربها،  وتقول الراعي في هذا الجانب:  "الأسر والزوجات اللاتي يعلمنّ أماكن احتجاز أزواجهن وطالت فترة احتجازهم، فالمسؤولية عليهن أكثر فهن يتحملن أعباء الحياة والمعيشة الصعبة، ويصارعنّ موضوع أن يُطلب منهن مبالغ مالية تكاليف باهظة، وفدية، وتكون هي العائل الوحيد للأسرة وللسجين، إضافة للمبالغ المالية الخيالية التي تطلبها جماعة الحوثي كجباية للأموال لا أكثر، ولا يتم الافراج عن أحد، وتعرضنا لمثل هذا الابتزاز كثير".

 

تقول أبها" كنا نخبرهم حرفيًا لا نمتلك هذه المبالغ، وقام أهالي القرية بجمع المال قرابة أربعمائة ألف يمني، وأعطوها لشخص وعدهم بأنه سيخرج خالي ولم يعمل شيء حتى اللحظة".

 

بينما تتابع أروى لجنة التحالف التي شُكلت مؤخرًا للكشف عن مصير المُعتقلين باستمرار بحكم طبيعة عملها، وكانت تجد قليل من الأخبار عن زوجها، لكنها في السنتين الأخيرتين لم تصلها أي أخبار عنه.

 

وتحاول أبها وأهلها التواصل مع جهات كثيرة، دون جدوى، ووصلوا لمرحلة يطالبون بمحاكمتهم حتى لا يضيع عمرهم في السجن بلا تهمة، خاصة وأنهم أفرجوا عن عدد كبير من المتهمين بقضية مقتل الصماد، بعد إعدام الـ 9 الذين ثبتت عليهم التهمة حسب قولهم، ولكن عقدوا جلستين في المحكمة فقط ونسوا الموضوع حسب قولها.

 

أرقام متزايدة وانتهاكات لم تتوقف

 

وثق فريق التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان تعرض (1635) مختطفًا للتعذيب في سجون الحوثيين بينهم (109) أطفال، و(33) امرأة، و(78) مسنًا، موزعين على (17) محافظة يمنية، تعرضوا للتعذيب النفسي والجسدي، بينهم (101) طفل و(24) امرأة و(63) مسنًا، وأسفر هذا الأمر عن إصابة بعضهم بشلل كلي أو نصفي، والبعض الآخر بأمراض مزمنة وفقدان للذاكرة وإعاقات بصرية وسمعية، حسب تقرير أصدره التحالف منتصف العام 2022.

 

وفي ظل استمرار الحرب تبقى حالات الاختطافات مستمرة وتتزايد بشكل ملحوظ، وتبقى أسر المعتقلين بين وجع الاختطاف ونار الانتظار، وقد يغادرون دون أن يشهدوا الانتظار، أو يتوفى السجين دون العودة لأهله.

 

وبالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف الـ 10 من ديسمبر تتعالى الأصوات الداعية لوقف الانتهاكات بحق المدنيين، وإطلاق سراح كافة المعتقلين والمخفيين قسرا في كل السجون داخل اليمن دون قيد أو شرط، وهو ما تأمله أسر واقارب كل المعتقلين وفي أسرع وقت ممكن حتى ينتهي مسلسل الرعب والخوف والقلق.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI