تشهد العقارات في مدينة تعز ارتفاع مطرد منذ سنوات لا سيما في ظل استمرار الحرب والحصار المفروض على المدينة للعام الثامن على التوالي، بالإضافة إلى ذلك ساهمت حركة النزوح إلى المدينة في مفاقمة الأمر كثيرًا، حيث بات المواطنين يشكون من الأسعار التي أخذت منحنى تصاعدي في الارتفاع وخاصة في ظل الظروف المتدنية التي تمر بها البلاد.
في مدينة تعز التي تعد من أكثر المدن كثافة سكانية، حيث يقطنها قرابة 5 ملايين نسمة، يتكبد الوافدون إلى المدينة مشقة كبيرة في البحث عن سكن مناسب لدخلهم المحدود، بينما الكثير منهم تركوا أسرهم في القرى وذلك بسبب "جشع أصحاب العقارات"، كما يقولون.
في مطلع العام 2019 أصدر مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي وهو منظمة غير ربحية، تقريرًا أوضح فيه أن أسعار العقارات وشراء الأراضي ارتفع بنسبة 100%، في الوقت الذي زادت فيه الإيجارات بنسبة 67% وذلك في عموم محافظات البلاد، أما في مدينة تعز، فقد تضاعفت خلال السنوات الأخيرة أسعار الشقق السكنية والعقارات حيث وصلت إلى نسبة 50%، كما يشير التقرير ذاته.
السكن قرب خطوط النار
المئات من الأسر التي لم تجد لها مأوى آمن، انتهى بها المطاف لتختار السكن في وادي صالة شرق مدينة تعز والذي لا يفصله عن مناطق الحوثيين أكثر من كيلو متر، وكذلك الحال بالنسبة للأماكن القريبة من منطقة عصيفرة شمال المدينة، وعلى الرغم من كل المخاطر المحتملة، سواء القصف المدفعي العشوائي، أو الاستهداف المباشر بالقنص، إلا أن تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية لهذه الأسر دفع بها لتسكن قرب الموت، كما يشير الساكنون في تلك المناطق.
"عاصم محمد"، نزح إلى المدينة هربًا من المضايقات والانتهاكات التي يتعرض لها المواطنين في مناطق الحوثيين، قضى "عاصم" وقتًا طويلًا في البحث عن مأوى لأسرته، وتنقل في العديد من المنازل، ليستقر أخيرًا في منزل قريب من خط المواجهات شرق المدينة.
يقول "عاصم" في حديثه لـ "يمن فريدم" أنه ظل قرابة الثلاثة أشهر يبحث عن شقة تناسب راتبه الذي يتقاضاه إلى جانب توفير المتطلبات اليومية للمعيشة، ولكنه لم يجد شقة مناسبة وذلك بسبب الإيجار المرتفع مقارنة بمدى صلاحية الشقق للعيش فيها، كما يقول.
يضيف "عاصم" في حديثه قائلًا:" بعد التنقل كثيرًا في المنازل صادفت أحد الأصدقاء يسكن في بيت قريب من خطوط النار، وسكنت معه، صحيح أنني لا أدفع إيجار لصاحب المنزل، وهو راضٍ بذلك، لكن المنزل مكشوف باتجاه مناطق تمركز الحوثيين، وقد يتعرض للقصف في أي لحظة، أما أيام الاشتباكات فنضطر للنزول إلى الدور الأرضي خوفًا من القصف العشوائي".
اضطرت المئات من الأسر بعد تحرير المناطق الواقعة شرق المدينة من الحوثيين، إلى العودة للمنازل التي طالتها يد الحرب والدمار، حيث تقطن المئات من الأسر النازحة هناك، ورغم قرب تلك الأحياء من خطوط التماس إلا أن السكان اضطروا للبقاء بحكم أسعار الإيجارات المعقولة مقارنة بالأحياء القريبة من وسط المدينة، حسب قولهم.
تداعيات وأسباب
في ظل الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد، وتهاوي أسعار الصرف إلى مستويات قياسية، انعكس ذلك بشكل مباشر على كافة المستويات المعيشية للمواطنين وفاقم مأساتهم.
ويعد ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني، سبب رئيسيًا في ارتفاع أسعار العقارات والشقق السكنية في مدينة تعز، حيث أصبح الكثير من ملاك العقارات والعمائر السكنية يطالبوا المستأجرين بدفع إيجاراتهم بالعملة الأجنبية.
الصحفي الاقتصادي "وفيق صالح" قال في تصريحه لـ "يمن فريدم" بأن مشكلة ارتفاع إيجارات الشقق السكنية يعود إلى عدة عوامل مرتبطة بتداعيات الحرب المشتعلة في البلاد للعام الثامن على التوالي.
يؤكد "وفيق"، أن مأساة الحصار الذي تتعرض له تعز، واستمرار الحرب، بالإضافة إلى ندرة التوسع العمراني وتدهور أوضاع الناس المعيشية، وغياب المدن السكنية مع كثافة الإقبال من قِبل المواطنين، كل ذلك يعد من العوامل الأساسية في ارتفاع أسعار الإيجارات، وحدوث أزمة خانقة في السكن، حد تعبيره.
تتسبب هذه الاختلالات الحاصلة في زيادة الطلب مع ندرة المنازل والمساكن، في رفع تكلفة الإيجارات بصورة قياسية، ناهيك عن التدهور الاقتصادي الحاصل في البلاد، وتضخم أسعار السلع وارتفاع تكاليف المعيشة، بالإضافة إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية، بحسب وفيق صالح.
اقتصاد الحرب
تشير التقديرات إلى أن ما يقارب من اثنين مليار دولار، أي ما يساوي ثلاثة ترليون ريال يمني مقدار التداول في القطاع العقاري خلال الأربع السنوات الأولى من الحرب، وهذا الرقم كبير جدًا مقارنة بالنشاط الاقتصادي في اليمن، وفقا للتقرير الذي أصدره مركز "الدراسات والإعلام الاقتصادي".
ويعود السبب في ارتفاع أسعار العقارات والأراضي في اليمن إلى أن " اقتصاد الحرب لعب دورًا مهمًا في انتعاش اقتصاد الأراضي والعقارات، إذ يعتبر ذلك الوسيلة المثلى لغسيل الأموال الناتجة عن مكاسب الحرب من قبل كبار اللاعبين والمتحكمين في نفقاتها" حد وصف التقرير.
غياب القانون
بالنظر إلى القانون اليمني الخاص بالإيجارات فإن مواده لم تتطرق لوضع سقف محدد لرفع الإيجارات وحماية المستأجرين من الزيادة المستمرة التي يقوم بها ملاك العقارات، واكتفت بتحديد العلاقة بين المؤجر والمستأجر مع الإشارة إلى بعض الجوانب في طبيعة الإيجار والمدة الزمنية.
المحامي "نجيب الحيدري" يقول في تصريحه لـ "يمن فريدم"، بأن المشرع اليمني ترك المجال مفتوحًا أمام المالك ولم يطرح أي قانون محدد بخصوص رفع الإيجارات، وهذا كان خطأ كبير من أن يُترك هذا الأمر للمؤجر وجعل المستأجر هو الطرف الأضعف، كما يقول الحيدري.
ويضيف:" كان يتوجب على المشرع اليمني أن يضع حد لجشع ملاك العقارات ويخصص سقف معين لرفع الإيجارات، تكون بعد فترة زمنية محددة، وذلك مقارنة بالقانون المصري حيث وضع حد معين لرفع الإيجار".
هكذا إذًا بات حال كل من يبحث عن سكن آمن لأسرته في مدينة تعز التي تعيش ثالوث الموت، والحصار والحرب، لا سيما في ظل عدم استقرار سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، وغياب القانون الذي يحمي المستأجرين من طمع الملاك الذين ينتهزون الفرصة المناسبة للمطالبة برفع الإيجارات، حال يتفاقم ويزداد سوء مع مرور الأيام التي لا تبشر بحل وانفراجة لمشكلات المواطنين المستمرة منذ سنوات.