يقترن صوت المدفع عند اليمنيين وقت الإفطار بقدوم شهر رمضان والعيد، وهي ميزة خاصة، وأحد الملامح الفلكلورية الجميلة التي تعبر عن أجواء يمنية استثنائية مع قدوم هذا الشهر.
مؤخراً، اختفى هذا الملمح، وارتفعت بدلاً منه أصوات مدافع الحرب، فقد تعرضت بعض المدافع التي كانت تستخدم في رمضان للنهب وبعضها تم نقلها إلى المتاحف.
أشياء أفقدتها الحرب في رمضان
هناك أشياء لم تعد كما كانت بداية الحرب حيث لم يكن اليمن حينها يعرف الألواح الشمسية.
فمع الانقطاع المستمر للكهرباء في السنوات الأولى من الحرب، كانت الأسر اليمنية تضطر لتناول وجبة السحور على ضوء الشموع والأتاريك (مصطلح شعبي).
وفي السنوات الأخيرة، حلت الألواح الشمسة جانباً من مشكلة الكهرباء التي توقف منذ بدء الحرب.
ومع تفاقم الأوضاع بفعل الحرب يشعر الناس أن ثمة أشياء كثيرة فقدوها في رمضان منذ ثمان سنوات.
وتعليقا على ذلك تقول بشرى صالح، مديرة مدرسة (38 سنة): "زمان قبل الحرب كنا نصوم ونحن مرتاحين بالكهرباء والماء، معنا رواتب، وبدون خسائر".
وأضافت: "غيّرت الحرب في أجواء وطقوس رمضان السابقة، فقد أصبحت صور قتلى الحرب تملأ جدران الشوارع، وانقطعت علينا الرواتب والكهرباء، وارتفعت الأسعار على غير العادة".
وتابعت بشرى: "لم نعد نسمع أصوات المدافع وقت السحور والافطار وإعلان العيد. انعدم الأمان، وأصبحنا نخاف من صوت الطائرة، بسبب ما عانيناه من قصف، لقد غيّرت الحرب كل شيء في رمضان".
وعن التسوق، قالت بشرى: " الأسواق مزدحمة، خرجنا قبل رمضان، للتسوق وشراء مستلزمات رمضان مثل شراء الحليب المجفف لعمل اللبن الرائب، وشراء مستلزمات حلوى الجيلي والمحلبية والبهارات ومكونات الحلويات والزبدة".
التحف والزينة في رمضان
كالعادة، استقبل اليمنيون رمضان هذا العام بشراء الزينة والفوانيس التذكارية وعلقوها في بيوتهم ومحلاتهم التجارية فكانت الأسواق مزدحمة قبل رمضان على غير العادة.
يقول الحاج صالح علي وهو عسكري متقاعد (55 سنة) ويعيش في مدينة صنعاء: "صحيح الحرب أكلت من روحنا، لكننا مازلنا نقاتل من أجل البقاء ذهبت أنا وابنتي لشراء فوانيس وزينة رمضان، ووجدنا مراكز بيع التحف والهدايا مزدحمة جدا بالرغم من أننا لا نهتم بالزينة لكن هذا العام بالذات اغلب الناس زينوا منازلهم ومحلاتهم التجارية وشوارعهم نحن شعب نشتي نعيش غصب عن العالم والحرب وكل شيء ونسأل الله أن يلطف بنا بس".
من جانبها تقول أنيسة علي محمد ربة منزل (45 سنة): "لم يختلف رمضان هذا العام عن رمضان في الاعوام السابقة. نخرج للأسواق والجوامع ونحضر المناسبات الاجتماعية بشكل طبيعي وحالياً نصوم ونشجع اطفالنا على الصيام ونساعدهم على ذلك بالحرص على أن يسهر الاطفال للفجر حتى يتمكنوا من النوم طويلاً بعد السحور كي لا يشعروا بالتعب. ونقوم بشراء هدايا لهم ومنحهم المال تشجيعاً لهم على الصيام، وفي يوم العيد نتفاخر بصيام أطفالنا وكل شخص يفخر كم أيام صام ابنه أو بنته ويتم منحهم الكلمات التشجيعية ومبالغ مالية".
وعلى الرغم من أن اليمن يعيش أوضاعا صعبة منذ اندلاع الحرب إلا أن الناس يحاولون ممارسة الحياة بشكل طبيعي مستمتعين بالأجواء الرمضانية مثل كل عام.
مساجد عامرة بالمصليين
في رمضان يتزايد الإقبال على المساجد، ويصاحب ذلك بعض المظاهر خصوصاً الافطار الجماعي عند الغروب وأداء صلاة المغرب، ثم العودة إلى البيت لتناول العشاء، بعد ذلك يذهبون إلى المسجد مرة أخرى لأداء صلاة العشاء والتراويح والتهجد.
ليالي رمضان عند اليمنيين، وعند عموم المسلمين، من الليالي المقدسة والروحانية، يسهر فيها الجميع الى أن يأتي وقت السحور حيث تجتمع العائلة على مائدة السحور والأضواء والزينة تعم المكان.
وقد جرت العادة أن تمتلئ المساجد في رمضان بالشيوخ الأطفال والشباب بمصاحفهم ومسابحهم يتسابقون من سيستطيع أن يقرأ القرآن كاملاً في رمضان أكثر من مرة، ويحرصون على تأدية الفرائض جماعة.
أجواء ما قبل الإفطار
قبل أذان المغرب، يبدأ الاستعداد للإفطار، فيخرج كل رجل من بيته ومعه طبق إفطار متوجهاً الى الجامع حيث يتم تنظيم سفرة إفطار جماعية، ويقوم فاعلو الخير بشراء التمر كوقف للجامع.
ينتظر الناس أذان المغرب بسماع القرآن بصوت الشيخ محمد القريطي فقد اعتاد اليمنيون على سماعه منذ عقود.
يأتي بعد ذلك أذان المغرب بصوت رجل يدعى السفرجل، عبر الإذاعة من الجامع الكبير بصنعاء القديمة.
مأكولات لا تخلوا من مائدة رمضان
قبل رمضان بيوم، هناك تقليد معروف في اليمن يطلق عليه اسم "يا نفس ما تشتهي" يتم فيه تحضير أطعمة مميزة مثل "بنت الصحن" و"الزربيان" و"الشفوت" وغيرها من المأكولات الشعبية.
في هذا التقليد تجتمع العائلة على مائدة الغداء، ويتم كذلك تجهيز الحلويات لجلسة العصر، تفضل بعض العائلات شراء غداء جاهز من المطعم كنوع من التغيير.
ومائدة العشاء في صنعاء متنوعة، تتضمن طبق الشفوت الطبق الرمضان المشهور الذي لا تخلو أي مائدة صنعانية منه وهو عبارة عن لحوح خبز ذرة يتم عمله بطريقة خاصة مع (اللبن المحوج بالبهارات والنعناع والعنصيف وطبق الشوربة والسحاوق الطماطم المعصورة مع البهارات والفلفل والسمبوسة) والحامضة عبارة عن حلبة مع خل مع الفجل والأرز والمرق والسلتة وعصير القديد أي المشمش المجفف أو الكركدية.
المائدات الرمضانية اليمنية لا تخلو من الحلويات وبالذات الحلويات الصنعانية مثل (الرواني والبقلاوة والشعوبيات والقطايف ومربى الدبى ومربى الجزر) والمشروبات الصنعانية مثل (القديد والزبيب والشعير) فالكثير من اليمنيين يزورون محلات بيع الحلويات الصنعانية كل يوم كضرورة لابد منها بعد تناول العشاء، ثم يأتي وقت تناول وجبة الحلويات فالمهلبية تأتي على رأس القائمة والجيلي والرواني كيك بالبيض والدقيق يضاف له شيره.
بعد صلاة العشاء والتراويح والعودة إلى البيت، هناك من يفضل شرب القهوة القشر التي يُعتقد بأنها تزيل عطش الصيام.
بعض العائلات تقوم بقلي "القِلَّى" الذي هو عبارة عن فول بلدي صغير الحجم يتم تحميصه على النار وأكله مع القهوة، بعدها يتجه كل شخص الى عمله والبعض يتجه لمجالس القات أو مشاهدة المسلسلات والبرامج الرمضانية.
خاتمة رمضان وبداية العيد
ومثلما يرتبط رمضان بالعديد من العادات والتقاليد والمظاهر الموروثة في اليمن منذ أن تثبت رؤية هلال رمضان، كذلك هو العيد، حيث يقوم الأطفال بإحراق إطارات السيارات في الجبال وإطلاق الالعاب النارية "المفرقعات" عند إعلان ثبوت رؤية هلال العيد.
وفي ليلة العيد، تختلف الأجواء والتباشير بقدومه، حيث يذهب الرجال وصغار السن إلى حمامات البخار، ومواصلة السهر إلى الفجر، ليبدأ يوم جديد تظهر على ملامح الأطفال الفرحة وهم يرتدون ملابسهم الجديدة.