7 يوليو 2024
30 أغسطس 2023
يمن فريدم-أندبندنت عربية
طريقة بناء أهرام مصر ظلت موضع بحث عالمي حيرت الباحثين (أ ف ب)

 

حين جاء نابليون بونابرت إلى مصر توجه إلى الأهرام ومن على صهوة جواده خاطب جنوده بالقول، "انظروا إن 4 آلاف سنة تنظر إليكم".

 

وقديماً قالوا "اضحك يا تاريخ من كل شيء إلا الأهرام فهي تضحك منك".

 

مرة جديدة يفتح ملف الهرم الأكبر الأيام القليلة الماضية بعد سلسلة من الاكتشافات الحديثة المرتبطة بتاريخ وكيفية بناء الأهرام ضمن مئات النظريات التي تخرج على العالم في هذا السياق، ولم يصل أحد بعد إلى نتيجة قاطعة محددة، غير أن السؤال الذي نثيره في هذه القراءة ولا نقطع بصحته من عدمه "هل كان نهر النيل هو السبب الرئيس الذي مكن المصريين من تشييد هذا البناء الأسطوري"؟

 

المؤكد أن الحديث عن الهرم الأكبر وبقية أهرام مصر يكشف دوماً وجهاً من أوجه الحضارة المصرية القديمة المثيرة والتي لم نعرف فصولها كافة بعد، ولعل علامة الاستفهام التي لا تزال حائرة حتى الساعة هي "كيف تم رفع أحجار الأهرام عامة والهرم الأكبر بخاصة والتي يزن بعضها نحو 20 طناً من غير وجود أدوات رفع حديثة كالتي نعرفها في حاضر أيامنا؟

 

كانت المقاربة بين هذه الأحجام الضخمة وبين القدرات العضلية البشرية هي السبب في عدم تصديق بعضهم بين حين وآخر أن المصريين القدماء هم من رفعوا تلك الأحجار، ومالت بعض التفسيرات إلى القول بأن هناك قدرات خفية لكائنات فضائية ساعدت المصريين في القيام بهذا الصرح الكبير وغير المسبوق فوق الكرة الأرضية، فماذا عن آخر النظريات التي تتناول شأن رفع هذه الكتل الحجرية؟ وربما يسبقها التساؤل كيف وصلت إلى موقع بناء الهرم في ظل عدم وجود طرق مهيأة لمثل هذا العمل الجبار؟

 

ابحث عن نهر النيل

 

هناك كثير من النظريات التي خرجت حول قضية نقل الأحجار الكبيرة جداً من المقالع إلى الموقع الصحراوي الأثري للهرم كما هو كائن اليوم، لكن يظل هناك هامش غير مؤكد من حولها مما يجعل المجال مفتوحاً لمزيد من تلك النظريات، ولعل آخر تلك النظريات الدراسة المثيرة التي نشرتها أخيراً مجلة Pub Med Central وأجراها باحثون من فرنسا والصين ومصر عملوا على تحليل التربة المحيطة بأهرامات الجيزة، وتقول إن نهراً طبيعياً وليس قناة اصطناعية كما رأى بعضهم في قراءات سابقة كان يمر قرب الأهرام قبل أن يختفي عقب كوارث مناخية، مما ساعد الفراعنة على الإتيان بالصخور بواسطة النقل النهري إلى موقع بناء الأهرام الحالية.

 

وتقول الباحثة الرئيسة في الدراسة والجيولوجية في مركز "سيريج" لعلوم الأرض والبيئة التابع لجامعة أكس - مارسليا في فرنسا هدير شعيشع، إن "تحليل العناصر النباتية العضوية في التربة المحيطة بأهرام الجيزة مع دراسات مقاربة جغرافية وبيولوجية، كانا عاملان رئيسان أكدا فكرة موجود فرع لنهر النيل كان يمر إلى جوار الأهرام".

 

وأطلقت الدراسة على هذا الفرع اسم "نهر خوفو" الذي يعد الأداة الرئيسة التي وصل من خلالها نحو 2.3 مليون كتلة من كتل الصخور الهائلة الحجم، فل هذه النظرية جديدة من نوعها أم أن هناك قراءات سابقة مشابهة لها حاولت ولا تزال تقديم تفسير مقنع عن وجود نحو 6 ملايين حجر داخل هذا البناء الهرمي الذي لا يزال سبب بنائه غامضاً، ويختلف العلماء حول ما إذا كان المصريون القدماء قد قاموا ببنائه بوصفه مقبرة للفرعون خوفو أم أنه كان بمثابة مركز للطاقة من حول الكرة الأرضية؟

 

بني هرم خوفو الأكبر منذ 4600 سنة خلال حكم الأسرة الرابعة، ويعد واحداً من عجائب الدنيا السبع وأكبرها حيث تبلغ مساحة قاعدته 57 ألف متر مكعب، وتعرف هندسة بناء الهرم بدقتها المتناهية في تصميم قاعدة الهرم وطول أضلاعه، إذ جعلوا كل جانب من جوانبه يقابل واحداً من الجهات الرئيسة للبوصلة، وقد ساعدهم في ذلك ملاحظتهم للنجوم، وبنوه بعد أن مهدوا القاعدة الأرضية الحجرية بعدما غمروها بالماء والطمي، ويرى بعضهم أن المصريين القدماء حفروا خنادق من حولها ينساب فيها الماء.

 

وتظهر النظريات المختلفة حتى الساعة بسبب عدم اليقين من أمور كثيرة في مقدمها عدد الأشخاص الذين شاركوا في بناء الهرم، فيما يقدر عالم الأثريات المصرية الإنجليزي الأصل والذي يعد أحد أكبر المهندسين المعماريين في التاريخ المعاصر السير فلندر بيتري أن أكثر من 100 ألف شخص حركوا قطع الحجارة الضخمة من موقع العمل، و4 آلاف آخرين نفذوا عملية البناء الفعلي بحسب ما ورد في كتاب "عجائب الدنيا السبع وغرائب القارات"

 

فرع جف منذ 8 آلاف عام

 

في سبتمبر (أيلول) 2022 سلطت مجلة "لايف ساينس" الأميركية الشهيرة الضوء على موضوع فرع النيل الذي جف منذ قرابة 8 آلاف عام، وعلى رأس تلك الأفرع ما يعرف باسم "فرع خوفو"، وتقول المجلة إن الباحثين في جيولوجية نهر النيل عرفوا منذ عقود أن فرع خوفو القديم امتد حتى هضبة الجيزة في العصور القديمة، وعليه فقد كان لا بد لهم من أن يجروا بعض التجارب بهدف معرفة كيف تغيرت مستويات المياه بالضبط على مدى الـ 8 آلاف عام الماضية، فهل كان لا بد من إعادة تشكيل الماضي جيولوجياً في ما يشبه إعادة التجربة من جديد لتفهم ما الذي حدث في الماضي السحيق؟

 

الثابت أنه وفي محاولة لاكتشاف المشهد كما حدث في الماضي تشكل فريق علمي عام 2009 حفر نحو خمسة أماكن مائية في سهل فيضان الجيزة، وقاس الباحثون كمية حبوب اللقاح الموجودة في أجزاء مختلفة من تلك الأماكن لتحديد كيفية تغير مستويات حبوب اللقاح بمرور الوقت، وكان الرهان على أن الفترات الزمنية التي كانت فيها المياه وفيرة يجب أن تحوي حبوب لقاح أكثر من الفترات التي كانت قاحلة، ولاحقاً كشف تحليل الحبوب عن أنه في الوقت الذي بنى فيه المصريون القدماء أهرام الجيزة كانت المياه وفيرة بما يكفي لتدفق فرع خوفو قرب منطقة الأهرام.

 

وتلفت المجلة إلى أن الحديث يتلاءم بشكل جيد مع الاكتشافات الأثرية السابقة التي أظهرت أنه كان هناك ميناء قريب من الأهرام، إضافة إلى سجلات البرديات القديمة التي توضح بالتفصيل العمال الذين جلبوا الحجر الجيري إلى الجيزة عبر القوارب، ومن بين العلماء الذين قاموا على تلك الورقة البحثية عالمة الآثار الجيولوجية في جامعة كامبريدج البروفيسورة غوديث بنبري التي ترى أن "هذه الورقة البحثية مثيرة للاهتمام في فهمنا للحوار بين البشر وبيئتهم في مصر في سياق تغير المناخ، كما أنها من الممكن أن تكشف عن أسرار جديدة عن نهر النيل وفروعه التي جفت خلال 8 آلاف عام، والفروع الأخرى التي نجت من موجات الجفاف الكبرى بسبب تغيرات المناخ"، فهل يتوجب علينا أن نلقي نظرة على أحوال نهر النيل ونحاجج فكرة وجود أفرع للنهر جفت بالفعل من قبل للوقوف على صحة هذه الفرضية الخاصة ببناء الأهرام وحديث "نهر خوفو"؟

 

تغيير مسار النهر

 

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 نشرت مجلة "نيتشر جيوساينس" الأميركية ملفاً كاملاً عن نهر النيل حاول فيه العلماء سبر أغوار النهر الخالد من منطلقين جغرافي وديموغرافي، فأما من الناحية الديموغرافية فقد تحدثت المجلة العريقة عن نظرة المصريين القدماء لهذا النهر بوصفه مصدراً للحياة، وربما كان هذا أحد أسباب تقديسهم له في مرحلة تاريخية وعبادتهم إياه في مرحلة لاحقة، وكان المسار الثابت للنهر من منبعه في الجنوب إلى مصبه في الشمال سبباً في خصوبة وديان الشمال الأفريقي لملايين السنين، وبذلك شكل نهر النيل منبعاً ومساراً للحضارة الإنسانية في مهدها الأول.

 

وربط الباحثون في الدراسة بين الطبيعة المائلة لطبوغرافية نهر النيل وبين الحزام الناقل لصخور الأخاديد العميقة الذي يندفع صوب المرتفعات الإثيوبية في الجنوب ويسحب السطح هابطاً إلى الأسفل نحو الشمال، ومن البداية إلى النهاية يحافظ التدرج اللطيف على ثبات مسار نهر النيل في اتجاه الشمال، أي جهة مصر ماراً بالقاهرة قبل أن ينفصل إلى فرعي رشيد ودمياط.

 

ولم تكن "نيتشر جيوساينس" فقط من اهتمت بتاريخ نهر النيل القديم والربط بينه وبين عملية بناء الهرم، فقد فتحت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية بدورها في سبتمبر 2022 مجالاً واسعاً للحديث عن الأمر عينه مؤكدة عبقرية القدماء المصريين، إذ أعادت جدلية اكتشاف فرع للنهر جف قبل 6 آلاف عام، لكنه قبل جفافه لعب دوراً حاسماً في بناء أحد أبرز عجائب الدنيا القديمة.

 

ويصرح الباحث العتيد في جامعة "ييل" الأمريكية البروفيسور جوزيف مانينغ الذي درس تأثير الانفجارات البركانية على نهر النيل خلال فترات لاحقة من التاريخ المصري بأن نقل البضائع على نهر النيل ليس بالأمر الجديد، وقال "نعلم أن المياه كانت قريبة من أهرام الجيزة وهكذا تم نقل الأحجار، ولم يكن هناك دليل مادي قوي على هذه النظرية".

 

ووفقاً للدكتور مانينغ فقد وضع الباحثون نظرية مفادها أن المهندسين القدامى كان بإمكانهم حفر قنوات عبر الصحراء أو استخدام فرع من نهر النيل لنقل مواد الهرم، غير أن الأدلة على هذه الممرات المائية المفقودة ظلت نادرة وأدى ذلك إلى حجب الطريق الذي سلكه بعضهم قديماً للوصول إلى ميناء الجيزة، وهو مركز بناء الأهرام على بعد أربعة أميال غرب ضفاف القاهرة.

 

ويشير في الوقت نفسه إلى أنه بحث عن دليل على وجود طريق مائي قديم نقب عنه الباحثون في الصحراء قرب موقع ميناء الجيزة، وعلى طول الطريق المفترض لنهر أو فرع خوفو، حيث جمعوا خمس عينات أساس من الرواسب وحفروا على عمق أكثر من 30 قدماً وعثروا على فاصل زمني رسوبي في المنطقة امتد لآلاف السنين.

 

قدماء المصريين والتغيرات المناخية

 

هل تركت التغيرات البيئية بصمتها على نهر النيل؟

 

الجواب نجده عند عالم الجيومورفولوجيا من جامعة "إيكس مرسيليا" البروفيسور كريستوف مورانغ، إذ يرى أن عبقرية المصريين القدماء في التعامل مع تغيرات المناخ والجفاف قادت العلماء اليوم إلى تحديد ما حدث بالضبط قبل آلاف السنوات، إذ عثر الباحثون على 61 نوعاً من النباتات بما في ذلك السرخس والنخيل والرواسب، مما يوفر نافذة على كيفية تغير النظام البيئي المحلي على مدى آلاف السنين، وهنا يطفو على السطح تساؤل حيوي وجوهري "هل ساعدت حبوب لقاح النباتات المقاومة للجفاف والتي جئنا على ذكرها في تحديد متى كان النيل بعيداً من الأهرام خلال فترات الجفاف؟

 

ووفقاً لـ "نيويورك تايمز" فقد استخدم الباحثون تلك الحبوب ليصلوا إلى تقديرات إيكولوجية حول المنطقة في الفترة التي عرفت باسم "الحقبة الأفريقية الرطبة" وكانت خلالها معظم مناطق الصحراء مغطاة بالبحيرات والمراعي فيما كانت المنطقة المحيطة بالجيزة تحت الماء، وعلى مدى آلاف السنين التالية مع جفاف شمال أفريقيا احتفظ "فرع خوفو" بنحو 40% من مياهه.

 

أين ذهب هذا الفرع؟

 

تقول دراسة الصحيفة الأميركية إنه في عام 1350 قبل الميلاد، أي منذ 3500 سنة، شهدت الأحوال المناخية تدهوراً تدريجياً في توقيت قريب من غزو الإسكندر الأكبر مصر، مما أدى إلى جفافه وتحويل المنطقة برمتها إلى مقبرة، على أن معلومة تبدو صغيرة أو هامشية عن ذلك الفرع أو الممر المائي قرب الهرم الذي ظل عميقاً بما يكفي للتنقل بسهولة لكنه ليس مرتفعاً بما يكفي، تدفعنا للتساؤل كيف تم تسخير "نهر خوفو" لنقل أحجار الهرم الأكبر تحديداً على ثقل أوزانها؟ ودعونا نؤجل الجواب لفقرة تالية ونتوقف عند قصة بعض البرديات التي تضيء منطقة أخرى في هذا الحديث.

 

نهر خوفو وبرديات وادي الجرف

 

ومن القديم إلى الحديث ننتقل دفعة واحدة، ففي يونيو (حزيران) 2019 عرضت القناة الرابعة البريطانية فيلماً وثائقياً عنوانه "الهرم الأكبر في مصر... الدليل الجديد" اهتمت صحيفة "إكسبريس" البريطانية بما جاء فيه وأفردت له تقريراً واسعاً ومطولاً، وجوهر السلسلة التي بدأ عرضها عام 2017 يقوم على اكتشاف "بردية وادي الجرف" القريب من الشاطئ الغربي لخليج السويس عام 2013، ومن خلالها يفهم علماء الآثار الآن كيف أن المصري القديم استطاع تنظيم العمل وتدبير الحاجات من أجل هذا البناء المتطور.

 

وتقول الصحيفة البريطانية إن بعثة أثرية مصرية فرنسية مشتركة اكتشفت بقايا بردية تخص رجل يدعى ميرير كان مسؤولاً عن النقل الحجري من المحاجر إلى أهرام الجيزة، وبحث عالم المصريات الفرنسي بيير تاليت وفريقه الأثري في بلدة وادي الجرف القريبة من الهرم وأثبتوا أن المصريين كانوا متقدمين وسابقين لعصرهم، وكان الفيلم الوثائقي يتوقف من قبل عند جزئية غامضة ومثيرة وهي كيف استطاعت السفن المصرية الأولية حمل هذه الأحجار الثقيلة والضخمة؟ ولكي تصل إلى موقع العمل كان لا بد لها من الاقتراب إلى مساحة أكثر مما يسمح به موقعها في نهر النيل، فكيف حقق المصريون القدماء هذا الإنجاز؟

 

وربما يكون السؤال الأهم هو كيف قاموا بوصل نهر النيل بموقع الأهرام نفسه، وهذا ما حاول عالم المصريات الفرنسي ورئيس الجمعية الفرنسية للمصريات بيير تاليه وفريقه الجواب عنه من خلال فك شفرة البردية المفقودة منذ فترة طويلة للبحار المصري القديم ميرير، لمعرفة كيف حقق المصريون القدماء ذلك.

 

ويذهب تاليه إلى أن ميرير هذا كان ضليعاً في علوم الهندسة، وسجل في البردية القديمة أن طاقمه شارك في مخطط لتحويل المياه نحو الهرم حيث فتحوا السدود العملاقة لتحويل المياه من النيل وتوجيهها إلى الهرم عبر قنوات من صنع المصري القديم،  وبحسب البروفيسور تاليت فقد أزاحت البردية الستار عن أن ميرير كُلف بمهمة الحصول على القطع الحجرية من الهرم قدر الإمكان من طريق تغيير مسار القنوات المائية، وقال تاليت إن البردية ذكرت أن ميرير كان لا يعمل طوال الوقت في نقل الكتل الحجرية، بل إنها كانت فقط واحدة من المهمات المختلفة التي قام بها خلال العام، فهل حديث تاليت له ما يؤيده أو يعضده من خلال الاكتشافات السابقة، لا سيما من قبل علماء وباحثين في المصريات؟

 

عالم المصريات الأميركي مارك لينر قام بحفريات عدة هو وفريقه في الرمال القريبة من الهرم الأكبر في محاولة للكشف عن أي دليل على المجاري المائية القديمة، ولاحقاً كشف عن نتائج مذهلة، ويوضح ذلك بالقول إنه "لعدة أمتار خرجت أوتار الحفر بلا رمل جاف، ثم فجأة نزلت أوتار الحفر إلى طمي كثيف ومركب، وقد أخبرتنا أمتار عدة من هذا الطمي المركب أنه يجب أن يكون هناك ممر مائي قديم، لذلك عرفنا أن مياه النيل يجب أن تكون هناك وتملأ مجرى مائياً قديماً بهذا الطين، وقد حددنا حوضاً مركزياً للقناة نعتقد أنه كان منطقة التوصيل الرئيسة عند سفح هضبة الجيزة".

 

العبقرية المصرية والمصاعد الهيدروليكية

 

ويأخذنا حديث "نهر خوفو" الذي جف نحو علامة استفهام مهمة قد تحل بعضاً من ألغاز هرم خوفو، فهل عرف المصريون القدماء إذاً أحد أهم العلوم الحديثة وهو علم الهندسة الهيدروليكية الذكية في وقت باكر جداً آلاف السنين؟

 

في الـ 24 من أغسطس (آب) 2022 نشرت دورية "وقائع الأكادية الوطنية الأميركية للعلوم" نتائج دراسة توصل إليها فريق البحث الفرنسي من جامعة مرسيليا، وفيها أن المصريين القدماء صنعوا قبل آلاف السنين مصاعد هيدروليكية عبر تلك القنوات المائية مكنتهم من رفع هذه الأحجار الهائلة الحجم، كما يخبرنا الأثري المصري الكبير الدكتور زاهي حواس في مؤلفه "معجزة الهرم الأكبر" أن الملك خوفو كان يمتلك أسطولاً من القوارب المصممة من أجل نقل الأحجار إلى موقع بناء الأهرام، عطفاً على بحارة مدربين على أعلى مستوى، كما أن الأخشاب التي عثر عليها إلى جانب الهرم "سفينة احتفالية" كان خوفو يعتقد أنه سيحكم العالم الآخر من خلالها.

 

ويصف المصري القديم ميرير كيف كان العمل شاقاً، لا سيما فيما يختص بنقل الأحجار البيضاء الثمينة للهرم على طول نهر النيل الطريق المباشر الوحيد لبناء الهرم، والشاهد هنا أن تمييز لون الأحجار يقودنا إلى مدخل مغاير لفكرة بناء الهرم الأكبر والهدف منها، فالبردية التي تركها ميرير لا تشير إلا لأمرين، إما نوعية الأحجار أو لونها، أما التوقف بنوع خاص أمام تلك الأحجار فيقودنا إلى قصة أخرى غريبة عجيبة ومثيرة عن الهدف الآخر المتواري وراء ما نعرفه عن الأهرام.

 

ولا تحدد "مذكرات ميرير" المسؤول رفيع المستوى الذي يحمل لقب "مفتش" وتعود للعام الـ 26 من عهد الفرعون خوفو مكان استخدام تلك الأحجار البيضاء الثمينة، أو لأي غرض كان استخدامها، غير أنه بالنظر إلى هذا التوقيت الذي يعود ل نهاية عهد خوفو يعتقد العالم الفرنسي تاليت أنه من المرجع أن الحجارة استخدمت لكسوة الهرم الأكبر من الخارج وكتابة معظم تاريخ وأسرار وعلوم المصريين القدماء فوقها.

 

غير أنه وبسبب التغيرات المناخية وعدم الاهتمام من أجيال لاحقة بهذا البناء الأسطوري فقدت تلك الكسوة البيضاء، كما فقد كذلك الهرم الذهبي الذي كان قائماً فوق قمة الهرم، وغالب الظن أن الهدف منه كان التواصل مع الكواكب والنجوم في الفضاء، وهذه قصة أخرى.

 

ما الذي يتبقى؟

 

هناك معلومة قد تبدو عابرة لكنها في القلب من فكرة الأهرام في الجيزة ووداي الملوك في منطقة البر الغربي في مدينة الأقصر التاريخية جنوب مصر، وهي أن الأهرام مبنية على الضفة الغربية من النيل وليس الشرقية، وهو أمر له علاقة بنظرة المصريين القدماء إلى الحياة والموت، فالضفة الغربية للنيل هي المكان الذي تغرب فيه الشمس وتمثل نهاية الحياة الأرضية وبداية الحياة السماوية.

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI