لم تفترس الحرب المستمرة في اليمن منذ انقلاب الحوثيين على السلطة في سبتمبر 2014م، الأجساد فحسب، بل تعدتها لتبسط رعبها على عقول ونفسيات كثير من اليمنيين، جراء معايشتهم لمآسي الحرب واكتوائهم بنار التأثيرات السلبية لها؛ الأمر الذي تسبب بانتشار حالات الهذيان والاكتئاب والاضطرابات النفسية بين كثير من السكان المدنيين.
وعلاوة على أكثر من 350 ألف يمني قضوا بشكل مباشر أو غير مباشر نتيجة الصراع، حسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ تسببت الحرب أيضاً، في ارتفاع عدد المصابين باضطرابات نفسية وعقلية، إلى أكثر من 5.5 مليون شخص، وفق منظمة الصحة العالمية.
وبمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، الذي يصادف 10 أكتوبر من كل عام، أعلنت الأمم المتحدة أن ربع اليمنيين بحاجة إلى الدعم والرعاية في مجال الصحة النفسية، جراء صدمات الصراع وتداعياته المستمرة منذ تسع سنوات.
وأفاد صندوق الأمم المتحدة للسكان أن "واحدا من بين كل 4 أشخاص في اليمن يعانون اضطرابات في الصحة النفسية وبحاجة لخدمات دعم ورعاية".
وتواجه هذه المعدلات محدودية أو عدم إمكانية الوصول إلى الخدمات المتخصصة، وقبول اجتماعي محدود للظروف، ويُترك الناس للتعامل مع الصدمات التي تعرضوا لها بمفردهم. وهذا يشمل النساء والأطفال والفئات الضعيفة الأخرى.
إذ يقدر عدد الأطباء النفسيين في اليمن بحوالي 58 طبيباً، بمعدل طبيب نفسي واحد لكل نصف مليون شخص، إضافة إلى 120 استشارياً نفسياً، حسب تقديرات 2020.
وتعزو مدير مركز الإرشاد والبحوث النفسية في "جامعة تعز"، الدكتورة أحلام حزام، ندرة الأطباء والمختصين في مجال الصحة النفسية في اليمن، إلى عوامل عدة، أبرزها الوصمة المجتمعية التي تواجه الأطباء والعاملين المتخصصين في الصحة النفسية، إذ يعاملهم المجتمع بطريقة قاصرة، وينظر إليهم باعتبارهم يعانون من مشكلة نفسية، مما يؤثر على اهتمام المجتمع لتطوير هذا المجال، حسب ما نقله عنها موقع "يمن سايت".
وتؤكد حزام أن الأطفال والنساء هم أكثر الفئات تعرضاً للصدمات النفسية جراء الحرب، نظراً لـ"ضعفهم وهشاشتهم كفئات ضعيفة وحساسة تجاه الأحداث الصادمة والمؤلمة التي يتعرضون لها".
ويشير الدكتور أرتورو بيسيغان، ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن، إلى أن النظام الصحي في البلاد قبل الصراع وبعده يكافح من أجل دمج خدمات الصحة العقلية في هيكل الصحة العامة، كما أنه غير قادر على تقديم الدعم الكافي أو الحصول على بيانات شاملة بسبب الوصمة الثقافية.
وأوضح أنه تم إجراء دراسة حول حالات الصحة العقلية بين سكان اليمن في عام 2019، حيث وجدت هذه الدراسة، التي تمثل 42% من سكان اليمن، أن اضطراب ما بعد الصدمة هو حالة الصحة العقلية ذات أعلى معدل انتشار (45%) بين سكان اليمن. وتلا ذلك الاكتئاب (27%)، والقلق (25%)، والفصام (18%)، والرهاب (4%).
وفي الحروب يتعرض المدنيون لانتهاكات متعددة ومتنوعة، مثل القتل، والإصابات الدائمة، والتشرد والنزوح القسري، وغير ذلك من الانتهاكات، التي تحدث بشكل يومي في اليمن، ويتم تغطيتها بشكل لا بأس به إعلامياً، إلا أنه لا يتم الالتفات، كما ينبغي، للأضرار النفسية الناجمة عن الحرب، رغم أن تأثيراتها السلبية كبيرة وفادحة.