في ظل الظروف الصعبة بالخُوخة، كانت أمنية نبيل الأقوى هي الأمان والاستقرار لعائلته. نزح نبيل بسبب الصراع ووجد ملاذاً آمناً في موقع النزوح بالدهيوي، مصمماً على بناء حياة جديدة مع زوجته وأطفاله الخمسة.
بدت الخُوخة، حيث يعيش أقاربه، خياراُ واقعياً للاستقرار. ومع ذلك، كان نبيل وعائلته ينعمون في تعز بنمط حياة مريح، يتميز بالكهرباء والمعدات الحديثة. وكان التأقلم مع الحياة الريفية، بعيداً عن مرافق المدينة، صعباً.
يمثل انعدام الكهرباء تحدياً كبيراً في أكثر من اثني عشر موقعاً للنزوح تديرها المنظمة الدولية للهجرة في الخُوخة، التي أصبحت موطناً لكثير من المتضررين من الصراع. وحتى في القرى المجاورة، حيث كان وجود الإضاءة بشكل مستمر جزءاً من الحياة، يجد الناس الآن أن الكهرباء أصبحت شبه منعدمة.
في الأسابيع الأولى، كافح أطفال نبيل للتأقلم مع حياة خالية من وسائل الراحة المعتادة. فالصباحات التي كانت تبدأ بالمشي بهدوء إلى المدرسة أصبحت الآن مصدراً للقلق. ومع مرور الأيام، ازدادت صعوبة حياتهم اليومية حيث واجهوا واقعاً أعادت تشكيله الصراعات.
عندما يحل الظلام
لمدة تقارب عقد من الزمان، أدت النزاعات المستمرة إلى تقييد شديد في الوصول إلى موارد الطاقة وتعطيل إمدادات الكهرباء، مما فاقم نقص الطاقة. كان هذا العبء ثقيلاً بشكل خاص على المتضررين من الصراعات والنازحين داخلياً، الذين غالباً ما اضطروا للاعتماد على الفوانيس أو المصابيح اليدوية للإضاءة.
كما أدت الصراع إلى نقص واسع في البنزين والديزل، مما دفع الكثيرين للبحث عن بدائل للطاقة مثل الألواح الشمسية. ومع ذلك، فإن هذه البدائل غالباً ما تكون أقل كفاءة وأعلى تكلفة مقارنة بمصادر الطاقة التقليدية.
استطاع نبيل في السابق أن يوفر لأطفاله حياة مليئة بالترفيه والراحة. أما الآن، فأصبحت أنشطتهم اليومية وأولوياتهم تخضع لمدى توفر ضوء النهار. لم يتخيلوا أنهم سيضطرون لإنهاء مهامهم قبل غروب الشمس.
يقول نبيل: "عندما يعود أطفالي من المدرسة، يذهبون فوراً لجلب الماء من البئر لأننا لا نستطيع التحرك بعد حلول الظلام".
مخاطر الليل
في الليل، اعتمدت العائلات على مصابيح صغيرة للتنقل بين المآوي المتجاورة، ولكن إنارتها الضعيفة بالكاد تضيء في الظلام. وزادت تكاليف شراء البطاريات اللازمة لإبقاء المصابيح الكهربائية مشتعلة من معاناتهم، وهي تكلفة لم يستطع معظمهم تحملها.
الأطفال الذين كانوا يدرسون بجد تحت ضوء المصابيح بمجرد تشغيلها، يواجهون الآن واقعاً مختلفاً تماماً. بالنسبة للعديد من العائلات النازحة، استبدلت أبسط وسائل الراحة العادية بالكفاح المستمر من أجل الأمان. يتذكر نبيل قائلًا: "كان مؤلماً أن أمنع أطفالي من الخروج فقط لأن الظلام قد حل".
في ليلة هادئة، وبينما كان نبيل مستيقظاً لحراسة أطفاله، اندلعت فجأة ضجة خارج المنزل. كان الجيران يبحثون بشكل هستيري عن طفل يبلغ من العمر خمس سنوات ضل طريقه ولم يتمكن من العودة إلى المنزل. كان الضوء الوحيد المتاح هو من مصابيح الدراجات النارية. وللأسف، تم العثور على الطفل لاحقاً في قاع بئر، حيث سقط فيه بسبب الظلام.
حالات الطوارئ الليلية
التحرك في الليل هو شيء نادر، إلا أن حالات الطوارئ تحدث أحياناً، مثل الحاجة لنقل مريض أو امرأة حامل إلى مرفق صحي. في هذه اللحظات الحرجة، يواجه المجتمع مهمة شاقة تتمثل في السير عدة كيلومترات في ظلام دامس للوصول إلى أقرب عيادة. كما أن غياب الضوء يجعل من الصعب التنبه للمخاطر المحتملة، مثل الثعابين والحشرات والحيوانات الضالة.
بالنسبة لنبيل وآخرين، كان التعامل مع حالات الطوارئ ليلاً تحدياً كبيراً. ويتذكر هو الوقت الذي مرضت فيه حماته في المنزل، مما اضطر العائلة للانتظار بقلق حتى الصباح الباكر عندما أصبح من الآمن القيام بالرحلة إلى المستشفى.
تعزيز الروابط المجتمعية
بالرغم من التحديات، كانت عزيمة نبيل تدفعه لافتتاح متجر صغير بالقرب من منزله. في البداية، كان المتجر يعمل فقط خلال ساعات النهار. ولكن بعد تركيب إضاءة الشوارع التي تعمل بالطاقة الشمسية، تغير كل شيء، ليس فقط في عمله بل في المجتمع بأسره. يقول نبيل: "أخيراً، أشعر بالأمان الكافي لفتح متجري ليلاً، وأيضاً يشعر الناس بالراحة للقدوم في الليل."
امتدت الفوائد إلى ما هو أبعد من الأعمال الفردية. على الله بشارة، مُنسق مجتمعي في موقع النزوح بالدهيوي، الذي تديره المنظمة الدولية للهجرة، وصف كيف جلبت مصابيح الشوارع تغييراً إيجابياً للمنطقة، وشجعت حتى على أنشطة اجتماعية مثل مباريات كرة القدم.
خلال شهر رمضان، عندما يبقى الناس مستيقظين حتى وقت متأخر ويكون الجو حافلاً بالنشاط، أحدثت مصابيح الشوارع فرقاً كبيراً. وسمحت الأضواء للعائلات والجيران بالتجمع بأمان، مما عزز الشعور بالانتماء إلى المجتمع.
يقول المنسق المجتمعي على الله: " قرّبت مصابيح الشوارع المجتمع من بعضه، وخلقت فرصاً للناس للتجمع والتواصل بعد العمل."