5 فبراير 2025
1 يناير 2025
يمن فريدم-خاص-عدنان الراجحي
عرض عسكري للحوثيين في صنعاء -أرشيف


تشهد منطقة البحر الأحمر تصعيداً عسكرياً غير مسبوق منذ بدء الحرب في قطاع غزة، حيث يكثف الحوثيون عملياتهم العسكرية ضد السفن المتجهة لإسرائيل أو المرتبطة به، الأمر الذي أدى إلى تداعيات إقليمية ودولية، تنذر بدخول اليمن مرحلة جديدة من العنف، بعد سنوات عجاف تجرع فيها اليمنيون مرارة الحرب داخليا.

يمثل هذا التصعيد تحدياً سياسا، أمنياً، واقتصادياً كبيراً، مع احتمالات متزايدة للمواجهة العسكرية في ظل تعقد المشهد الإقليمي وتشابك المصالح الدولية في المنطقة.

ولعل الضربات الجوية التي تشنها إسرائيل من جهة والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى مؤشرا على أن الأمور تتجه لمزيد من التصعيد.

تداعيات الحرب

يصعّد الحوثيون من هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر، مستخدمين صواريخ باليستية وطائرات مسيرة، وهو مما خلق تحديات كبيرة أمام حركة الملاحة الدولية، مما تسبب في ارتفاع تكاليف الشحن.

لم تكن الضربات الجوية الأمريكية البريطانية لمواقع الحوثيين، وفرض عقوبات اقتصادية على قيادات حوثية كافيا لوقف التهديدات في منطقة البحر الأحمر، أو وقف العمليات ضد إسرائيل التي تطالها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، بل زاد مع ذلك ضربات إسرائيلية استهدفت مواقع ومنشآت في الحديدة وصنعاء، إلا أن الجماعة ما تزال مستمرة في عملياتها العسكرية.

وتوّقع الصحفي بمركز "صنعاء للدراسات الاستراتيجية مراد العريفي في تصريح لـ " يمن فريدم"، كل سيناريوهات متعددة للحرب في اليمن، وقال " كل السيناريوهات ممكنة في ظل الوضع الحالي نظرا للتطورات الإقليمية والدولية في المنطقة والهجمات المستمرة في البحر الأحمر".

لكنه يرى أنه من الصعب أن يشهد اليمن حربا بمعنى أوسع، وقال "وفق تقديري فإن عودة الحرب في اليمن بتعريفها الأوسع اعتقد انه من الصعب ان تحدث، بسبب ان السعودية -وهي الطرف الفاعل في الأزمة اليمنية -قررت الانسحاب من اليمن تماما حتى تركز على رؤية 2030 وكاس العالم 2034، وهما ملفين تضع الرياض أولوية لهما في الوقت الذي يحتاج الملفان درجة عالية من الأمن والاستقرار وهذا من الصعب أن يتحقق إلا باتفاق نهائي مع الحوثيين أو إنهاء التهديد الذي تمثله الجماعة، والخيار الثاني لن تعود له السعودية إلا إذا تلقت ضمانات واسعة من المجتمع الدولي بدعمها في الحرب ضد الحوثيين".

بدوره يرى الباحث مصطفى الجبزي من وجهة نظره أن "هناك رغبة من الطرفين الحوثيين والإسرائيليين في استعراض للقوة لمجرد فرض واقع جديد".

وسلّط الباحث الجبزي الضوء على عدم اكتراث الحوثيين باليمن في ظل هذا التصعيد، وقال "الحوثيون لا يهتمون لمصير اليمن (..) وان اليمن قادر على امتصاص هذا النوع من الضربات"، ويضيف " لكن قد تتطور الأمور إلى ما يحمد عقباه تدمر منشآت اليمن وتتضاعف الأزمة الإنسانية".

قلق دولي

أظهر مجلس الأمن الدولي في جلسته المنعقد عن حالة الشرق الأوسط (اليمن)، يوم الاثنين 30 كانون الأول/ ديسمبر، حالة من القلق بشأن التصعيد بين الحوثيين وإسرائيل وتزايد العمليات العسكرية المتبادلة.

الأمم المتحدة وعقب الضربات الإسرائيلية على مطار صنعاء، سارعت على لسان أمينها العام، أنطونيو غوتيريش، ونددت بالتصعيد بين الحوثيين وإسرائيل، وقالت "إنها تثير القلق".

بدوره قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ، خالد خياري، إن الهجمات في إسرائيل واليمن، والبحر الأحمر، تشكل مصدر قلق بالغ، وإن المزيد من التصعيد العسكري قد يؤدي إلى تعريض الاستقرار الإقليمي للخطر، مع عواقب سياسية وأمنية واقتصادية وإنسانية سلبية.

وفي إحاطته أمام مجلس الأمن، الاثنين 30 كانون الأول/ ديسمبر 2024، بشأن التهديدات للسلام، قال إن ملايين البشر في اليمن وإسرائيل وفي مختلف أنحاء المنطقة سيستمرون في تحمل وطأة التصعيد الذي لا نهاية له.

وأضاف خياري: " يشهد الشرق الأوسط تصعيدا خطيرا آخر. اتخذت الأعمال العدائية المتكشفة بين إسرائيل والحوثيين منعطفا تصعيديا على مدار الأسابيع الماضية".

الولايات المتحدة من جهتها دعت على لسان نائبة البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة دوروثي شيا، مجلس الأمن، للنظر في اتخاذ إجراءات إضافية للرد على التهديدات المتزايدة من الحوثيين ومحاسبة إيران.

وقالت شيا، "يمكننا جميعًا أن نرى بوضوح أن الحوثيين مُمكَّنون بالكامل من قبل إيران لشن هجمات طويلة المدى وقاتلة على إسرائيل، بما في ذلك البنية التحتية المدنية، كما يتضح من الدعاية الحوثية التي تتفاخر باستخدام الصواريخ الأسرع من الصوت المتقدمة".

وتابعت "إن مسؤولية هذا المجلس تتلخص في الرد على الانتهاكات الصارخة التي ترتكبها إيران لقراراته وتسليح الجماعات الإرهابية".

وأضافت " حان الوقت لكي يتوقف الحوثيون عن سلوكهم المتهور والمزعزع للاستقرار، ويتعين على هذا المجلس أن يضمن وجود عواقب لأفعالهم".

المملكة المتحدة هي الأخرى دانت الهجمات الحوثية الصاروخية على إسرائيل، واستهداف الشحن الدولي في البحر الأحمر. وأعربت عبر سفيرتها لدى الأمم المتحدة، باربرا وودورد، عن قلقها من استمرار هذه الهجمات، داعية الحوثيين، إلى التوقف فورًا.

وقالت "لا يهدد عدوان الحوثيين بالتصعيد الإقليمي فحسب، بل إنه يؤدي أيضًا إلى تفاقم الظروف الإنسانية والاقتصادية المزرية بالفعل داخل اليمن.

بالمقابل أعربت عن قلقها "إزاء الضربات الإسرائيلية على البنية التحتية المدنية في اليمن، بما في ذلك الهجوم الأخير على مطار صنعاء".

أما السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون، وجه تحذيرا وصفه بـ "الأخير" للحوثين لوقف هجماتهم الصاروخية على بلاده، وقال "المصير التعيس" ذاته الذي لحق بحركة حماس وجماعة حزب الله اللبنانية والرئيس السوري بشار الأسد.

وأضاف: "إلى الحوثيين، ربما لم تنتبهوا لما حدث في الشرق الأوسط خلال العام الماضي. حسنا، اسمحوا لي أن أذكركم بما حدث لحماس وحزب الله والأسد ولكل من حاول تدميرنا. هذا هو التحذير الأخير لكم. هذا ليس تهديدا. إنه وعيد. سوف تواجهون المصير التعيس ذاته".

السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، كانت تصريحاته متوازنة في الطرح، فقد ندد بالهجمات الصاروخية التي يشنها الحوثيون على إسرائيل، وانتقد أيضا الضربات الإسرائيلية على اليمن.

أهداف الحوثيين 

خطاب الحوثيين المتكرر يؤكد على استمرار عملياتهم العسكرية "دعماً لغزة"، رغم الضغوط والضربات الجوية الأمريكية البريطانية المشتركة وكذا الضربات الإسرائيلية على أهداف عسكرية للجماعة وبنى تحتية مدنية.

في حين وتشير التحليلات إلى أن الجماعة تسعى لتعزيز موقعها الإقليمي وتأكيد قدراتها العسكرية من خلال هذا التصعيد، إلا أن المؤشرات على الأرض مختلفة كثيرا خاصة بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت مطار صنعاء الدولي ومحطات لطاقة في صنعاء والحديدة، يوم الخميس 26 ديسمبر 2024.

الصحفي اليمني خليل العمري يرى أن "التصعيد بين الحوثي واسرائيل يمثل مرحلة جديدة في ديناميكيات الصراع بالمنطقة، حيث يسعى الحوثيون إلى تجاوز الحدود اليمنية وتحقيق مكانة إقليمية ضمن محور المقاومة الذي تعرضت اركانه للدمار في سوريا ولبنان".
ويعتقد العمري في حديثه لـ "يمن فريدم" أن التصعيد الحوثي يمنح الحوثيين مكانة أعلى لدى الإيرانيين ويعزز دعم طهران لهم عسكريًا وسياسيًا التصعيد الحوثي ضد إسرائيل يمثل ايضا مقامرة خطيرة، حيث يراهن الحوثيون على تحقيق مكاسب سياسية وإيديولوجية والهروب من الازمات المحلية لأزمات إقليمية.

وركّز في تصريحه على أن "هناك تصعيد عسكري إسرائيلي وهذا التصعيد الاسرائيلي يواجه اليمن وليس الحوثية، حرق المنشئات المدنية كما حدث في الموانئ ومحطات الوقود ومطار صنعاء الأمر الذي سوف يؤدي الى تصاعد الغضب الشعبي الذي يرى في جماعة الحوثيين ماكينة لإنتاج الحروب المحلية والاقليمية في بلد يحتاج لقليل من الاستقرار".

ويصف الصحفي العمري "القصف الإسرائيلي الأخير بـ " أعمى" لا يستهدف الأعيان الحوثية وانما المدنية والبنية التحتية اليمنية على حد وصفه.

موقف الحكومة اليمنية

شددت الحكومة اليمنية في خطاباتها على أهمية استعادة مؤسسات الدولة واسقاط الإنقلاب، في إشارة إلى القضاء على الحوثيين، إلا أن تلك الخطابات عادة ما تصطدم بالمساعي الإقليمية والدولية وخاصة جهود الأمم المتحدة التي تؤكد على السير نحو خارطة الطريقة التي تبدو بعيدة المنال.

ومع التصعيد العسكري الأخير للحوثيين في منطقة البحر الأحمر والعمليات العسكرية ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، لم تكن مواقف الحكومة اليمنية أكثر جدوى بفعل التأثير على قرار مجلس القيادة الرئاسي ومن خلفه الحكومة من قبل القوى الإقليمية والدولية.

وتعليقا على ذلك قال الصحفي خليل العمري إن "التصعيد يتيح للحكومة فرصة لتعزيز موقفها العسكري، لكنه يفرض عليها ضرورة التحرك السريع لتجنب تحول الصراع اليمني إلى قضية ثانوية في صراعات إقليمية أوسع".

ويعتقد العمري أن "الحكومة حالياً لا تملك الأدوات القوية لهذا النهج مع توجه الرياض نحو تصفير الصراع مع إيران ووكلائها في المنطقة وخاصة الحوثيين".

كُلفة اقتصادية

على المستوى الاقتصادي، لم يتعاف اليمن اقتصاديا ولم يتجاوز محنته في ظل تراجع الموارد، بعد توقف تصدير النفط وعائدات موانئ محافظة الحديدة، إلى جانب الانقسام النقدي بين بنكي صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين، وعدن الخاضع لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا.
ويرى الصحفي المتخصص في الجانب الاقتصادي، وفيق صالح، أن الاقتصاد الوطني ينزف ويتداعى منذ بدء الحرب، وفي حديثه لـ "يمن فريدم" قال الصحفي وفيق "ما يحصل حالياً من تصعيد عسكري سيؤثر على مستوى تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني في البلاد تعرضت البنية التحتية لتدمير هائل، وتعطلت المرافق الحيوية، منذ سنوات".

ويؤكد أن " أي تصعيد عسكري حالياً سيكون له آثاره المباشرة على تدمير المقدرات الاقتصادية والبنية التحتية والمرافق الأساسية كما حصل لميناء الحديدة ومحطات الكهرباء في صنعاء، نتيجة الغارات الجوية الإسرائيلية أضف إلى ذلك أن الهجمات المتصاعدة في البحر الاحمر لها انعكاسات سلبية على تأزم الاقتصاد اليمني".

وسلّط الصحفي وفيق صالح الضوء على المخاطر المترتبة على أي تصعيد عسكري، وقال "إذ تعمل على زيادة مخاطر الإمداد السلعي إلى الموانئ اليمنية ويرفع من تكاليف الشحن البحري والتأمين على السفن، وهذا بدوره يضغط على الوضع الاقتصادي في الداخل اليمني ويساهم في ظهور الاضطرابات والاختناقات التمويلية والتنموية".

أفق الحل السياسي

المواقف الدولية تسير في اتجاه واحد، مع إدانة واسعة للهجمات الحوثية، ودعم عملية عسكرية ضد الحوثيين، في ظل الدعوات لضبط النفس وتجنب التصعيد.

كل المؤشرات على الأرض تعطى صورة واضحة أن الحل السياسي في الوضع الراهن، ربما أصبح صعبا أكثر من أي وقت مضى، وهذا يسير على نحو يزيد من قناعات الداخل اليمني أن الحسم العسكري هو الأقرب لإزاحة الحوثي من المشهد، في خطوة لتقليل الخسائر المتوقعة لليمن خلال السنوات القادمة.

إلا أن المجتمع الدولي ما يزال لديه أمل أن الحل السياسي هو أفضل الطرق لليمن في الوقت الراهن، وهو ما أكدت عليه مندوبة بريطانيا لدى الأمم المتحدة، باربرا وودورد، التي أكدت " أن التسوية السياسية الشاملة والجامعة تظل هي أفضل طريق إلى يمن سلمي ومستقر ومزدهر".
الصحفي والكاتب محمد عبدالمغني يرى " أن الحل السياسي يبقى صعب التحقيق في ظل الوضع الراهن، حيث إن ميليشيا الحوثي يعتبرون الحرب وسيلتهم الأساسية للبقاء، خاصة في ظل غياب الحاضنة الاجتماعية والسياسية الحقيقة لهم داخل اليمن وايضا تفاقم الوضع عليهم بعد تصدع وجود الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في كل من لبنان وسوريا خلال الأشهر والأيام الأخيرة".

ويعتبر الصحفي عبدالمغني، "أن هذه المعطيات بمثابة العامل الذي يجعل الحوثيين يجدون خياراتهم قد أصبحت محدودة وهو ما يدفعهم إلى تصعيد هجماتهم. لذلك يبقى المشهد ايضا مرهونا في تمكن الأطراف المحلية والدولية من تقديم ضمانات لحماية المصالح الأمنية لجميع الأطراف الفعالة اليوم في الصراع داخل اليمن".

وتساءل في حديثه لـ "يمن فريدم" عن قدرة الشرعية اليمنية وحلفائها الإقليميين لإثبات وجودهم على الأرض، وقال "هل هم قادرون على إعادة تفعيل دورهم الميداني بشكل فعال لورثة النفوذ الإيراني؟ أم أن المشهد سيظل معقدًا كما كان، مع استمرار التنافس الإقليمي والدولي في الساحة اليمنية، دون أن تُحرز الأطراف المحلية أو الدولية تقدمًا حقيقيًا نحو الحل".

 

الفيس بوك
تويتر

جميع الحقوق محفوظة YemenFreedom ---- تصميم وبرمجة ALRAJIHI